قال الله تعالى (مَن كانَ يُرِيدُ الْعِزّةَ فَللّهِ الْعِزّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصعَدُ الْكلِمُ الطيِّب وَ الْعَمَلُ الصلِحُ يَرْفَعُهُ وَ الّذِينَ يَمْكُرُونَ السيِّئَاتِ لهَمْ عَذَابٌ شدِيدٌ وَ مَكْرُ أُولَئك هُوَ يَبُورُ)
هذه الاية الشاملة بيان عملي في حياة الإنسان العزيز الذي يطلب الحياة الكريمة الفاضلة وموضوعها العام يجدد فيهم القدرة ويبعث القوة من جديد متزامنا مع الشهادة الرائدة في عالم الإنسانية المجيد فمن قتل في سبيل ربه او وطنه او شعبه او اهله او عرضه او عمله او نفسه بالحق فهو شهيد فكان ميعاد عظمة في نفوس الأحرار واشراقة تطل فيها سمات معاني العمل والشهادة ومثال صدق يعبر عن هذه القيم التي يحمل مشاعلها ا من يحافظ على هذه الشمائل المجيدة وطالما نتحدث عن العمل ومعانيه فإننا نستحضر الشهادة بكل قممها الفاضلة لأولئك الذين
ناداهم الموت فاجتازوه وانهمروا عند الشهيد تلاقى الله والبشر .
ناداهم الموت فاختاروه أغنية  خضراء ما مسها عود ولا وتر .
صار الصبي يمد اليوم قامته  أبوه بالغيمة الحمراء يعتمر
هؤلاء الشهداء عنوان كل عمل صالح ونبراس كل مجد تليد وهدف كل عامل أمين
فعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال: كان علي بن الحسين ( عليه السلام ) يقول: إني لأحبّ أن أداوم على العمل وإن قل.
وعن الإمام علي (عليه السلام): من قصر في العمل ابتلي بالهم .
وقال الله تعالى (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشوروابتغ فيما آتاك اللّه الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا )
وجرت السنة النبوية المطهرة لتوجه العامل الى قاعدة سلوكية جامعة للدنيا والاخرة حيث جاء الحديث الشريف:(ليس منا من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه)
فالعمل المخلص يدعو الى الوئام بين الروح والجسم ويدعو الى التوازن بينهما وبذلك فقد ركز على الأسس الانسانية العادلة التي تنتظم بها الحياة الاجتماعية ويتحقق بها التوازن بين الافراد والجماعات.وبنى في ربوع العالم معالم الحضارة وأقام صروح العدالة، وأوجد انقلاباً جذرياً في طريقة العيش واسلوب الحياة، فقد أذاب سطوة القبائل، وغلبة الفرد، وقضى على كيان الفوضى والتمرد، واخضع الجميع للقانون والدستور بعدما كان الناس لا يعرفون شيئاً من المبادئ الدستورية والنظم القانونية.ولقد عمل الاسلام على اذابة الفقر وتحطيمه وإزالة شبحه وذلك بما سنه من النظم الاقتصادية الخلاقة في العمل، فقد نظر الى المال فوضع له منهاجاً خاصاً يمنع من تكديسه وتضخمه عند طبقة خاصة، وذلك بتحديده لطرق الكسب والتجارة، كما اعتبر المال مال اللّه وليس مالكه الا مستخلفاً عليه قال اللّه تعالى: (آمنوا باللّه ورسوله وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) وقال تعالى: (وآتوهم من مال اللّه الذي آتاكم) فالمال مال اللّه تخرج منها الحقوق المفروضة التي جعلها الشارع للمعوزين والمحرومين والعاملين .إن الاسلام قضى في تشريعه على الاحتكار، وحرم الاستغلال، وفي هذا التحريم حكمة بالغة وذلك لئلا تنحصر الثروة عند فريق من الناس وتحرم منها الاكثرية الساحقة الأمر الذي يؤدي الى اشاعة الاضطراب وفقدان التوازن في الحياة الاجتماعية وحدوث الانفجارات الشعبية التي توجب دمار البلاد وهلاك العباد في جميع المجالات.فجاء القانون الاقتصادي الشرعي بصيغة تبعث للفخار والإعتزاز ضد المستكبرين والمستعمرين الذين نشروا الفقر في بلاد المسلمين، ونهبوا ثرواتهم وامتصوا دماءهم، واستغلوا خيراتهم، ومنحوا الشركات الاحتكارية لاذنابهم وعملائهم، حتى عمت الفاقة والحرمان وانتشرت البطالة، وتكدست الاموال وتضخمت النقود عند طبقة خاصة قد اتخمت بطونها بالطعام الحرام وتلوثت ضمائرها بجرائم الفسق والفجور، لا عطف ولا رأفة ولا رقة عندهم على طبقات العاملين الكادحين فقد استحالت أفكارهم الى هياكل ميتة.
فهذه بعض متارك الاستعمار في الوطن العربي والاسلامي، فعلى العرب والمسلمين أن يتفهموا أن لا حياة لهم مع بقاء الظالمين في بلادهم فانهم العدو الغادر الذي يمكر بهم في الليل وفي النهار وعليهم أن يلتفتوا الى واقعهم المرير فيتفهموا حالهم ويربطوا نهضتهم الاجتماعية، وتطورهم السياسي والاقتصادي بما يحقق وحدتهم وتعاونهم  ويحفظوا حرمة شهدائهم الذين اناروا لهم طريق الحرية والحق والعدالة .
والعمل هو المصدر الوحيد لعمران الأرض واستخراج كنوزها، والوسيلة الأولى لضمان معيشة الانسان، واستقرار حياته فلولا عمله وسعيه في تحصيل معيشته لما أمكن أن يبقى حياً على الكرة الأرضية.إن الانسان منذ وجد انطلق يعمل كادحاً في تحصيل قوته وسد رمقه حتى الحيوانات تشعر شعوراً ذاتياً بضرورة العمل لعيشها فتراها دائبة مجدة على تحصيل قوتها فلننظر الى أصغر المخلوقات وأعجبها وهي النملة، يقول الامام أمير المؤمنين (ع) في وصفها «وصبت على رزقها تنقل الحبة الى جحرها، وتعدها في مستقرها تجمع في حرها لبردها، وفي ورودها لصدورها»
وهكذا ألهم اللّه سبحانه كل ما دب ودرج على هذه الأرض بضرورة العمل لتستقيم الحياة ويتم النظام، ولولاه لما قامت سنة في الكون ولا وجدت معالم الحضارة، ولا حصل الرقي والابداع، وما نهضت الشعوب.إلا بالعمل والجد وعدم اضاعة الفرص والأوقات في الكسل والهزل وهو فرض عين واجب على الجميع كل بما يستطيع ولقد جعل اللّه الخيرات في سطح الأرض وفي باطنها، وطلب من الانسان أن يسعى لتحصيلها قال اللّه تعالى: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه)
وقد قرر علماء الاقتصاد ان الأرض إذا تركت وشأنها أجدبت وأمحلت، ولا تعطي أي ثمرة أو نتاج. فقد عرف العمل بمعان مختلفة،
فمنه الأعمال القتالية لحماية وأمن العباد والبلاد والزود عن حرماتهم ضد الطامعين المستغلين والمستكبرين هذه الأعمال التي يروي الشهداء بدمائهم الطاهره أبجديتها تحت ظلال السيوف في الجنة ونحن نتعطر في ذكراهم ونمسح جبيننا بعزتهم ومجدهم فهذه الأعمال من خير وانفع الأعمال عند الله ومنها ايضا الاعمال العقلية وهي التي يكون المجهود الاساسي فيها تفكيرياً كاعمال العلماء والمخترعين والمهندسين، فقد فتحت هذه آفاقاً بعيدة في ميادين الانتاج والتطور.
والاعمال العضلية وهي التي تكون لأداة الجسم فيها حاجة اكثر من الفكر وليست منفصلة عنه.وبها استقامت الحياة وما أمكن أن يعيش الانسان فمنها.استخراج المواد اللازمة للبشر من خزائن الطبيعة، وهي تتحرى المواقع والمحال التي توجد فيها المواد التي أعدتها الطبيعة وتختص هذه الصناعة باستغلال الغابات والمناجم، وصيد السمك والطير وأمثال ذلك من المواد.
وأعمال الزراعة.للحصول على المواد الأولية والغذائية من الأرض، وأصبحت في هذا العصر من العلوم الواسعة التي لها النصيب الوافر في تطوير الحياة.
وصناعة تحويل المواد الأولية الى أشكال متنوعة نافعة للانسان وسادة لحاجته، ويدخل في عداد هذه الصناعة انشاء المباني لأن الاعمال المبذولة في هذا الشأن تعود الى جمع المواد الأولية الكثيرة وتأليف بعضها مع بعض.لقد كان لهذه الصناعة أعظم التأثير في حياة الانسان خصوصاً في هذا العصر فقد أخرجت هذه الصناعة من الامتعة ما لا يعد ولا يحصى، وأخذت في تشغيل العدد الوافر من العمال وتقوم الأعمال النقلية باعمال جسيمة في بناء الحياة العامة فهي التي توجد الأسواق والمنافذ اللازمة لتحصيل الصناعات ومنتجاتها كما انها تساعد على نشرها وتوزيعها في جميع أنحاء المعمورة وتعميمها بين أجناس البشر وطبقات الناس، ولولاها لظلت منافع الصناعات التحويلية والزراعية محصورة في مكان صنعها ولكن الصناعة أعانت على نقلها الى انحاء البلاد الامر الذي أوجب زيادة الانتاج وتوسيع نطاقه ويرتبط ذلك بالتجارة ارتباطا وثيقا .فترسلها الى الانحاء التي تقل فيها كما انها في نفس الوقت تعمل على حفظها وادخالها في إبان وفرتها، ثم تخرجها الى الاسواق في أوان ندرتها، وتيسر بذلك تناولها على الراغبين فيها.
والمهن الحرة لخدمة الانسان والمصلحة العامة، التي تقوم بخدمة الحياة العامة
ومهما يكن من أمر فان كل نوع من هذه الاعمال ينقسم الى أنواع متعددة، والتعرض لذكرها قد يعد خروجاً عن الموضوع فلذا نكتفي بما ذكرناه من العرض الموجز لاصول أنواعها.
ولا شبهة أن للفن  والأدب والدين والأخلاق دخلاً في رفع القيمة العملية في الوطن لكل الناس فان العبرة في تحديد القيمة ليس بكمية العمل الذي تحتويه السلعة ولكن بالنتائج التي تخدم الفرد والدولة والمجتمع وإن من أهم التزامات العامل تأديته للعمل الذي أجرى عليه العقد فعليه أن يؤديه في الوقت المقرر له كما يجب عليه أن يؤديه بنفسه، لقول النبي (ص): «المؤمنون عند شروطهم».وعلى العامل أن يمتثل الأوامر الصادرة من رب العمل أو وكيله، وعلى العامل أن يحافظ على آلات العمل وأدوات الانتاج فاذا قصر في المحافظة عليها ونشأ من ذلك التلف لها أو النقصان فهو مسؤول عنها وضامن لها.والتشريع والقانون ينشدان صحة العامل ورفاهيته وعدم إرهاقه وعنائه، فقد جاء في الخبر الشريف ما نصه:«اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة اللّه، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم، ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم».
وإن العامل لا يجوز له أن يعمل أكثر من طاقته لأن فيه هلاكاً لنفسه، وهو محرم عليه قال اللّه تعالى: (لا يكلف اللّه نفساً إلا وسعها) ويقول النبي (ص): «ولا تكلفوهم ما لا يطيقون»
وإن الاسلام حرم جميع ألوان الظلم في العمل ودعا الى التخلص من مآسيه، ومن أصعب الظلم استغلال العمال ومنعهم أجرة عملهم فانه من أشد المحرمات ومن أقساه أكل المال بالباطل فقد قال النبي (ص): ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة .. منهم، رجل استأجر أجيراً فلم يوفه أجره.
وإن القانون والشرع حرم الاستغلال بجميع صوره وألوانه لأنه يحدث النزاع الطبقي ما بين العمال وأصحاب العمل وقضى على الطبقية وحطمها وجعل التمايز بالتقوى والعمل الصالح وتمضي هذه الحلل بأبهى معانيها رسالة الاسلام الصحيح  .وإن فكرة العدل والمساواة والاخاء التي أعلنها الرسول الاعظم (ص) قد وقفت حائلاً ضد النزعة الطبقية ما بين العمال واصحاب العمل فلم نجد لها أثراً في رسالة الاسلام اليوم لأن المجتمع كان يقدر الفرد بجهوده وخدماته وأعماله النافعة للجميع - فخير الناس من نفع الناس وإن من أهم حقوق العامل تحديد أجور عمله فلا يجوز جهالتها لما في ذلك من الغرر والغبن، وقد ورد عن الامام الصادق عليه السلام «من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يستعملن أجيراً حتى يعلمه ما أجره».وان تحديد الأجور من أهم القضايا الاجتماعية، وذلك لأن مستوى الأجر يحدد فعلا بمستوى معيشة العامل فاذا كان عادلاً فانه يضمن له الحياة الكريمة وان لم يكن كذلك فانه يسبب بؤسه وشقاءه، ويفضي بالآخرة الى المنازعات والخصومات ما بين العمال وارباب العمل، وقد حرص المشرع أن تكون الاجور عادلة ويشترط تدخل الدولة إن أجحف بحقوق العاملين أو بحقوق اصحاب العمل، ويجب على رب العمل أن يدفع الاجور الى العامل بعد انتهائه من العمل سواء أكان الاجر على أساس اليوم أو الاسبوع أو الشهر ،
وقد أوصى الاسلام بالتعجيل في ذلك فقد ورد في الحديث «أعطوهم اجورهم قبل أن يجف عرقهم».وإن تأخير دفع الاجور يسبب ضرراً بالغاً على العامل كما يوجب شل نشاطه، وعدم رغبته في العمل.وعلى رب العمل أن يهيئ الوسائل الوقائية في المعمل لحماية العمال من التعرض للاصابات والامراض المهنية، وإن الاسلام يقرر حق الراحة للعامل يقول (ع): إن لنفسك عليك حقاً، وان لجسدك عليك حقاً وإن لزوجك عليك حقاً، ويقول (ع): «روحوا القلوب ساعة بعد ساعة».ان للعامل الحق في الراحة الاسبوعية والشهرية، وله حق الضمان الاجتماعي وامداده بالمعونة طوال الحياة عند العجز الدائم، وإن لكل شخص الحق في مستوى لائق كاف من المعيشة لتأمين صحته وسعادته وعائلته خاصة من حيث الغذاء والكساء والمأوى والخدمات الطبية والاجتماعية الضرورية، وله الحق في الضمان في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وفقد وسائل العيش الاخرى نتيجة الظروف الخارجة عن إرادته كما ان للأمومة والطفولة الحق في الاعانة والمساعدة اللازمة المخصوصة ولقد حفل بجميع ذلك الضمان الاجتماعي في الاسلام فانه يقوم باعانة كل معدم غير قادر على العمل، ويقضي على جميع ألوان البؤس والفاقة. وهو يشمل المواطنين وما أعلنه الامام أمير المؤمنين عليه السلام في دستوره الخالد الذي بعثه لمالك الاشتر
فيقول (ع): «ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلاً وانما يؤتى خراب الأرض من اعواز أهلها».وإن الاسلام كافح البطالة وذلك بحثه على العمل وإن العمال وغيرهم إذا استدانوا لوجه مشروع كالدين للزواج، أو لشراء مسكن، أو لبنائه، وغير ذلك من الجهات المشروعة، وعجزوا عن تسديده فان للدولة ان تقوم بدفعه، فيقول الامام موسى بن جعفر (ع):«من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه، فان غلب عليه فليستدن على اللّه وعلى رسوله ما يقوت به عياله فان مات ولم يقضه كان على الامام قضاؤه، فان لم يقضه - أي الامام - كان عليه وزره إن اللّه عز وجل يقول: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين، الى قوله تعالى: والغارمين، وهذا فقير مسكين مغرم» وإن العاجر عن العمل لمرض أو شيخوخة وغير ذلك، ولم يكن له مال ولا ولد ينفق عليه من الدولة او الجمعيات الخيرية او المحسنين لئلا يبقى في المجتمع متسول أو شحاذ.
وقد أعلن ذلك الامام أمير المؤمنين عليه السلام في عهده لمالك الاشتر فيقول (ع) ثم اللّه اللّه في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤس والزمنى )
ولقد أعلن الرسول الأعظم (ص) مبدأ التكافل الاجتماعي ورفع شعاره ودعا المسلمين الى تطبيقه في جميع مجالات حياتهم لأنه ينفي عنهم جميع ألوان البؤس وأنواع الشقاء، ويقود مجتمعهم الى شاطئ الخير والرفاهية والمحبة، فقال ص (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالحمى، والسهر)
وبعد هذا العرض السريع والموجز في العمل والشهادة لا بد لنا التأسي بالعاملين الصالحين وبالشهداء النبلاء لنكون لهم من الصادقين الأوفياء ونتطور وننموا بالمحبة والتعاون والإخاء عاملين مكافحين لكل خير وهدى والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة