التبليغ الديني
من مقتضيات الواقع الى تأهيل المبلغين
( خطة عمل وهيكلية متكاملة )
لابد من مقدمة قصيرة تمهد للدراسة تعرب ان التبليغ الديني يقوم على تنامي هذه المهمة مع التطورات العصرية لمواكبة حركة المجتمعات السريعة واحوج ما فيها الحوارات وتبادل الاراء والاطلاع على المكتشفات العلمية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية واعتماد مبدأ دراسة المقارنة في الفكر الديني والسياسي والعلمي وكل ذلك يدور في تحديد هوية المبلغ واقول هوية ولا اقول دينية المبلغ لان الهوية تحدد الاتجاه وخصوصا اذا قامت على فطرة الله التي فطر الناس عليها
فاما دينية فهي ربما تكون ذاتية او غيرية فطرية او كسبية ففي الحالة الفطرية يكون المبلغ مع العوامل المذكورة قوة متجانسة صلدة يستطيع ان يتفاعل مع الحركة التبليغية بشكل عالي وبكل ما أوتي من استطاعة وما عداها فهي مراتب متدنية عنها

ولابد ايضا من اقتباس بعض العبارات عن نائب رئيس المجلس الاسلامي الاعلى في لبنان الشيخ علي الخطيب في اللقاء التشاوري لهيئة التبليغ الديني

 في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في 22أيار 2017 مؤخرا حيث قال :

منذ ما يربو على العقدين من الزمن، دعا الإمام الراحل المغفور له الشيخ محمد مهدي شمس الدين إلى لقاء علمائي في قاعة المؤتمرات الكبرى عُرف لاحقاً بالمؤتمر التأسيسي للتبليغ الديني، حيث أَعلَن فيه إنشاء التبليغ الديني في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بحضور جمع من علماء الدين الأجلّاء الذين تطارحوا الرأي حول الموضوع في الشكل والمضمون.وكان واضحاً أن التبليغ الديني استحضر في تلك المرحلة قضيتين أساسيتين، مضافاً إلى أهدافه العامة العملية والرعائية.القضية الأولى: بلورةُ الشخصية الحوزويّة والشخصيّة القانونيّة لعالم الدين من خلال ضوابط عامة تشكّل منشأً للوصفِ والدور.والقضية الثانية: إرساءُ مبدأ استقلاليةِ عالم الدين عن الأطر السياسية والفئويّة الاجتماعيّة، وهو ما عبّر عنه لاحقاً بشعار "لا حزبية عالم الدين".وقد أثارت هاتان القضيتان حينها وإلى فترةٍ ملابساتٍ نشأت عن تأثيرِ الواقع القائم وثقافةِ التصنيف التي كانت سائدة. فافترض البعض أن القضية الأولى من حيث اقتضائها التنظيم تؤدي إلى تشكيل طرف ثالث على الساحة الشيعية بالنظر إلى الطرفين السياسيين السائدين. وقد أدى هذا الالتباس إلى تشكّل فهم الطرفيّة، واعتبار التبليغ الديني والمؤسسة الأم المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى طرفاً بإزاء الأطراف السائدة، وربما ساهم في تولّد ذلك الفهم وجود طرف آخر غير الطرفين السائدين في موقع التنافي عقائدياً وأخلاقياً وفي دائرة الريبة سياسياً بالنسبة إلى شريحة واسعة من علماء الدين . انتهى الاقتباس . لكن هذا التخوف من هيئة ثالثة لا مبرر له لانه انطلق من واقع المبلغ غير الكفؤ اما عندما يستوعب التبليغ العامل الكفء او الأكفأ الملم بكل حاجات المجتمع العلمية والسياسية والاجتماعية لا يكون هناك تخوفا لان المبلغ في هذه الحالة حر ومخير في مهمة التبليغ وغير مأسور بعامل آخر وبعد هذه المقدمة الهادفة لدراستي انتقل لأبوابها المفهسة والمبوبة ضمن هذا الاطار البحثي وقبل الولوج في هذا العنوان اقتبس من كلمة السيد القائد الخامنئي دام ظله الوارف هذه العبارة الخالدة في التبليغ ليبنى على الموضوع لوازمه حيث يقول حفظه الله (إنّ الدِّين الإسلاميّ هو دين التبليغ. وأمّا الجهاد فله فلسفة أخرى، الجهاد لمواجهة الطغاة والظلَمة وإزالة موانع التبليغ وانتشار نور الإسلام. ومتى ما غاب المانع، أو وُجد ولم يمكن الجهاد، فإنّ السبيل الأساس للإسلام هو التبليغ)

اذن ثلاث عوامل للتبليغ (الاول (الاسلام دين التبليغ )هذا الاساس الذي يقتضي البناء عليه والثاني (الجهاد .........وازالة موانع التبليغ ......)وهي وان كانت جماعية فانها تحتوي العمل الذاتي أي التبليغ الفردي الذي يجتمع بهدف واحد وقائد جماعي واحد  والثالث ( ومتى ما غاب المانع او وجد ولم يمكن الجهاد فان السبيل الاساس للاسلام هو التبليغ ) اذن الاساس للاسلام هو التبليغ وهذا ما يوطد مشروعية الحالة الراهنة وواقعنا المعاش ويتطلب الدقة والمصداقية والحذر والانتباه وهي مانبينه ان شاء الله بعد ان نميز بين واقعين الاول التبليغ في الوسط المتجانس وفي حالتنا ان يبلغ الشيعي بين الشيعة والثاني التبليغ في الوسط المتغاير او المتعدد وهذا بدوره نوعان نوع بين تغايرات اسلامية كالاسماعيلية والعلوية والدرزية والمرشدية وغيرهم وتغايرات غير اسلامية كالمسيحية واليهودية والبوذية وغيرها ولكل واقع ونوع بساطه واسلوبه وطريقته التي ينبغي ان يؤخذ الجانب السياسي في المجتمع ونظام هذا المجتمع المدني لذلك كانت مهمة المبلغ شديدة الصعوبة وتحتاج الى مستويات من الفهم والتجربة العاليين اقلها المستوى التدريسي التقليدي فالتبليغ اختصاص للمبلغ وليس عملا عاما وبهذا الاختصاص يشخص الداء ويصف الدواء. عند المبلغ ودقة رصد الواقع واحتياجاته

فلو استعرضنا تاريخية الواقع الديني الاسلامي والذي نحن بصدده دون غيره من الاديان عامة لوجدنا انه مر بوقائع متعددة المباني لكنها متشابهة المعاني واتخذت مراحل متعددة تتماشى مع التطورات الاجتماعية والسياسية فهي عند النبي محمد صلى الله عليه وآله ووفقا للمجتمع القبلي الذي كان سائدا ومهيمنا مرت بمرحلتين من التبليغ ( وما عليك الا البلاغ المبين ) مرحلة الدعوة السرية لضرورة الاختراق لمجتمع متصلب قاسي يعيش التخلف والجاهلية بمقاييس اليوم ومرحلة الدعوة العلنية نسبيا عندما استطاع ان يجذر حياة مدنية في المدينة المنورة ولكن نجاح هذا التبليغ اساس دعائمه القوة الالهية المؤيدة للرسالة والرسول وعلى راسها معجزة القرآن الحكيم واعتمد السلوك النبوي قوانينا فرضت بالطاعة والقوة عند اللزوم فهذا النوع صار واقعا اجتماعية سياسيا وأخذ اطار الشرعية فقلب المجتمع رأسا على عقب كثورة حقيقية أخذت الناس الى سواء السبيل حتى رحل الرسول وبقيت الرسالة امام نوعين من التبليغ الاول رسم امتدادا حقيقيا للمنهج الرباني تسلمه الامام علي بن ابي طالب عليه السلام والثاني منهجا بشريا تسلمته القوانين الوضعية المدبرة من قبل منذ اجتماع السقيفة  واخذ الاول السلوك النبوي المعتمد عن قوة المنهج وسلوك النبي والحرية ومقاييس الطاعة الذاتية بينما اعتمد الثاني الاكراه وما سمي بالفتوحات الاسلامية القائمة على السيف والحرب فصارالواقع التبليغي في المنهج العلوي يقوم على الحالة الروحانية المعنوية وحرية القبول تبليغا يكاد ان يصفو لدرجة الكمال التربوي الديني بينما الثاني انغمس في السياسة السلطوية كليا وتحول الى تبليغ دولة ذات ابعاد جغرافية وتاريخية لا رسالة روحانية عامة متقلبة وفق اهواء الحاكمين وحاجات تثبيت سلطتهم ومصالحهم ولو بالاكراه الذي رفضته اصول الدعوة المحمدية القرآنية لا اكراه في الدين وهذا الجانب نتجنبه في دراستنا هذه ونتابع المنهج الروحاني التبليغي لان انعكاسات الصيغة الثانية السلطوية على الدين والمتدينين كانت قاسية أدت الى اضرابات هائلة اسقطت حكومات متصارعة ضمن المسلمين انفسهم وأثرت على الواجهة الاسلامية سلبيا لدرجة الموات احيانا التي امسك برمق حي فيها بقايا الجانب التلبيغي الروحاني الاول المرتبط بكتاب واحد ونبي واحد واله واحد ولو كان في مظهره الشكلي حصريا وهذه الازمات توالت باشكال مختلفة حتى وصلت الى العصر الاخير غير فاعلة بل كل مناهج التبليغ الاسلامي تحولت الى ردود افعال وحلول للازمات غير فاعلة في المجتمعات وغدت عبئا على المبلغين لا قوة دفع وتقدم نحو الافضل وتشكلت الحزبية الدينية الاسلامية لتحل محل التبليغ الحقيقي للاسلام .
وفي هذا الواقع انفجرت الشبهات الدينية عن اول شبهة ظهرت في قيادة الامة الاسلامية في السقيفة وكانت هذه الانفجارات خطيرة جدا دمرت في شظاياها بناء الرسالة التاريخي والجغرافي حتى وصلت اليوم الى الارهاب والتكفير والتيارات المختلفة المتصارعة على الدنيا وليس للدين فيها الا بصيص خافت يكاد يفنى لولا بعض المدد من الوجه التبليغي الرسالي المحمدي الاساسي الاصيل وانتشرت مظاهر النفور الديني لدرجة الاشمئزار من مظاهر التبليغ الاعتبارية في المنهج والشخصية في المبلغين وجفت المناهل وعزة المؤمنين وركدت مظاهر مناسبات الرسالة وحوربت مشاهد الرسالة النبوية العمرانية والاثرية على يد الارهاب التكفيري وحوربت المؤسسات الدينية بشكل كبير من قبل اصحاب الرسالة انفسهم فوجد اعداء الاسلام فرصة كانوا يخططون لها مع اول شبهة وتحولت المواجهة من البناء والتطور الى المحافظة على الوجود وبقاء الممكن ولو احتاج الامر الى الاستقواء بعدو الاسلام الاساسي وضاق المبلغون ذرعا بهذا الواقع المذري بفعل هذه الشبهات الارهابية والتكفيرية . مما اسس عليه تشرذم المؤسسات والفعاليات الدينية . فلو اتبعنا التبليغ النبوي في رحلة  الدعوة السرية لم يكن قائما على التنكر أو الممالأة فيها بل كان يعتمد عدم التكتم وعدم الوضوح للعامة أي بين بين ليستدل ذووا العقول عليه بالمؤشرات والممارسات انطلاقا من ان مهمة التبليغ امانة ومسؤولية  صادقة وهما اساس النجاح والامتداد ولولا ذلك لما كان التبليغ الاول في ولاية امير المؤمنين علي ع أحتاج الى كل الجلاء والوضوح والصراحة وعلى ملأ من الاشهاد / وما قدروا الله حق قدره/ . /ان هو إلا ذكرى للعالمين /
فكان على النبي التبليغ وعلى الأمة الأمتثال وبالتالي يقصر التبليغ من بعده ص على العلم والمعرفة والعمل والدراسة والوعي فجاء قول علي ع المبلغ الأكفأ يبين الضرورة لكل ذلك بتجنب الجهل فقال /الجهل اصل شر /
واول ازمات التبليغ هي عدم التعلق بالعبادة والتوجه بها الى الله ليتكامل المبلغ مع تكامل المبلغين كما دعا النبي نوح ع بما جاء في القرآن/ فدعا ربه اني مغلوب فانتصر/  فإذا كانت هذه الإشكالية الناتجة عن الازمات لم تراع سلوك المبلغين فكل بناء عليها مأزوم حكما فإذا أخذنا الازمة السورية واستحضرناها كواقع للتبليغ نجد انها انعكست على الدين بشكل خطير حيث اصبح الارهاب والتكفير يرفع شعار /لا اله إلا الله محمد رسول الله / وجها اجراميا للاسلام وتصبح لكل جريمة فتوى دينية وتناقل الاعلام هذا التشويه بشكل واضح دون ان يفرزه موضحا سماحة الدين وانعكست مقدماتها على الاسلام والمسلمين معا  فالنتيجة تنعكس على المتدينين انفسهم ولم يعد بمقدورهم ان يواجهوا هذا التزييف الهادر والجارف بل بعض المتدينين دب فيهم الشك وبعضهم لاذوا بالفرار امام هذه الازمة الشرسة وقليل الصامدون وكانوا على نوعين فمنهم الذين تفاعلوا مع الاحداث بسلبية ومنهم بإيجابية رغم هذه القلة وهنا برزت ضرورة الاخلاق الدينية اكثر من بروزها في الاحكام العقدية وتوجب على المبلغ ان يلازم قوله فعله واي فرز بين القول والفعل ادى لسقوط المبلغ وهنا برزت الحاجة الى السلوك النبوي في التبليغ /وما أسألكم عليه اجرا/ /ان هو إلا ذكر للعالمين/ ولأن التبليغ باللسان والعمل أشد تأثيرا واقوى في هذه الازمة التي شغلت الجميع فواقع الازمة هذا اعاد واقعية التبليغ لبدايات الدعوة الاسلامية / وأخوانهم يمدونهم بالغي ثم لايقصرون /ويتطلب العون من الدولة في مثل هذه الحالة ولكن الدولة ايضا مشغولة بالازمة المفتعلة ضدها فكان لزاما على رجال الدين المبلغين الحلول بدلا من الدولة ويكفيها المساعدة بجوانب وعوامل التبليغ على الاقل وخصوصا في حضور المناسبات الدينية وتقديم مايلزم للمؤسسات  التبليغية ليقوم المبلغون المتوازنون بدورهم التبليغي والارشادي للناس ويعتبر كل مبلغ نفسه نبيا ومن يتلقى عنه عصيا ويستعين بامثاله في هذه المهمة كهارون وموسى امام فرعون لان مجريات الاحداث والازمة فرعنت الناس ومردوا على تعلقهم الديني البسيط ان لم يكن الفراغ واصبح الانشداد الى التكفيريين والمعاندين اقوى بكثير وخصوصا عندما نفقت الاموال مع الجهل الى الناس بغية الانحراف وقويت شوكة التقهقر والاضمحلال في قلوب الناس والمبلغ قليل والناس كثير في الازمات واحتاج المبلغ الى الجزم والاخلاص وعدم الخوف الا من الله واهمها عدم مراعات رغبات وميول المنحرفين عن الحق والعدالة وفق مايناسب الاهواء فاضطر المبلغ في هذه الازمة ان يوطن الارضية ويراعي التربة والبذرة اللازمتين بصدق و قوة ومتانة تستند على الدعاء اولا وتوفيق الله ثانيا  ولا يستحضر ذلك الا بالعبادة والتعلق بالله لدرجة الاستغراق او قريبا منه بكل ثقة .
اما من حيث الاثر المتفاقم من رجال الدين على بعضهم فله ابعاد ثلاثة تتأثر مع بعضها بكل اصنافها اليهودي والمسيحي والاسلامي اذا اغفلنا الاديان الاخرى لتأثيرها الطفيف جدا على الاديان الثلاثة ومن حيث هذه الاديان السماوية فصراعها يتعين في منطقة تواجدها جميعا بحيث تؤلب البعض على البعض لتستفيد من الغمز واللمز بالوجه العام ولكنه يبقى تأثيرا خافيا يصغر ويكبر أذاه بفعل التناحر لكسب رضا العامة واظهار الوجه الحسن دون سواه وهو لا يقاس بالتناحر ما بين رجال الدين في كل دين من هذه الاديان
هذا التناحر ضمن الدين يعتمد بالاساس على استغلال المذهبية ضمن الدين الواحد والعامل الاساس في هذا الاستغلال يقوم على التكفير المذهبي لان الامور استوت لمنسوب معين في تعدد الاديان والحالة اصبحت مفروغ منها وتحصيل حاصل فتسقط المناحرة للمذاهب ويعمل رجال الدين ضمن المذهب مع المذاهب الاخرى بحالة الاسقاط الديني العام نفسه وان استطاع الارهاب فعله
اما المشكلة ذات التأثير الشديد هي بين رجال الدين في المذهب الواحد وهذه المشكلة اداتها القاسية هي التهميش الذي يصل للحرمانية من الحقوق اذا توصلت الى الهيمنة بالمال او بالسلطة فتكون قاسية جدا وربما يضطر المهمش بفتح الميم الى النفور من المذهب كليا بعد نفوره من الجماعة المهمشة بكسر الميم اولا وبالتالي ربما تحصل المواجهة الخطيرة عندما يستقوي المطرود بالغير واساس هذا التهميش هو التحاسد والتباغض على المكاسب وكأن التدين للدنيا لان الذين يتدينون لله قلة وهؤلاء الصامدون لله يضعفون امام حاجاتهم الضاغطة ويصبح الواقع مأساويا وينظر للواقع الديني بسخط وازدراء من قبل العامة لرجال الدين عامة فلا يستفيد أحد وتنعكس على المذهب عينه بوجه كامل وهنا يتدخل التبليغ بصورة حتمية ويواجه هذه الاشكالية وتقع المسؤولية على المبلغ وقد ذكّر القرآن المسلمين بهذه الحالة انمخصوصة باليهود والنصارى تعليما وتركيزا بقوله تعالى وَتَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِى الاْثمّ وَالْعُدْوَنِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالاْحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الاْثمَ وَأَكْلِهمُ السَّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ .
ويفسر آية الله الشيخ مكارم الشيرازي بالتفسير الامثل هذه الاية وهي جديرة لهذا البحث مخصوصة بالمبلغ وان لم تذكره بالاسم فهي تبين عمله الحقيقي نقلنا شرحها مطولا فيقول : واستكمالا للبحث الذي تناولته الآيات السابقة حول المنافقين ـ تكشف عن ظاهرة الإِزدواجية النفاقية عند هؤلاء، وتنبّه المسلمين إِلى أنّ المنافقين حين يأتونهم يتظاهرون بالإِيمان وقلبهم يغمره الكفر، ويخرجون من عندهم المسلمين ولا يزال الكفر يملأ قلوبهم، حيث لا يترك منطق المسلمين واستدلالهم وكلامهم في نفوس هؤلاء المنافقين أي أثر يذكر، تقول الآية الكريمة:(وإِذا جاؤوكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ...) ولذلك يجب على المسلمين أن لا ينخدعوا بهؤلاء الذين يتظاهرون بالحقّ والإِيمان،ويبدون القبول لأقوال المسلمين رياء وكذباً. وتؤكّد الآية أنّ المنافقين مهما تستروا على نفاقهم، فإنّ الله يعلم ما يكتمون.
ثمّ تبيّن الآية الأُخرى علائم من نوع آخر للمنافقين، فتشير إِلى أنّ كثيراً من هؤلاء في انتهاجهم طريق العصيان والظلم وأكل المال الحرام، يتسابقون بعضهم مع بعضهم الآخر تقول الآية: (وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت ...) أي أن هؤلاء يسارعون الخطى في طريق المعاصي والظلم، وكأنّهم يسعون إِلى أهداف تصنع لهم الفخر والمجد، ويتسابقون فيما بينهم في هذا الطريق دون خجل أو حياء. وتجدر الإِشارة ـ هنا ـ إِلى أنّ كلمة «إِثم» قد وردت بمعنى (الكفر) كما وردت لتعني جميع أنواع الذنوب أيضاً، وبما أنّها اقترنت في هذه الآية بكلمة (العدوان) قال بعض المفسّرين: أنّها تعني الذنوب التي تضرّ صاحبها فقط، على عكس العدوان الذي يتعدى طوره صاحبه إِلى الآخرين، كما يحتمل أن يكون مجيء كلمة (العدوان) بعد كلمة (الإِثم) في هذه الآية، من باب ما يصطلح عليه بذكر العام قبل الخاص، وأن مجيء كلمة «السحت» بعدهما هو من قبيل ذكر الأخص. وعليه فالقرآن قد ذم المنافقين أوّلا لكل ذنب اقترفوه، ثمّ خصص ذنبين كبيرين لما فيهما من خطر ـ وهما الظلم وأكل الأموال المحرمة، سواء كانت ربا أم رشوة أم غير ذلك.
وخلاصة القول أن القرآن الكريم قد ذم هذه الجماعة من المنافقين من أهل الكتاب، لوقاحتهم وصلفهم وتعنتهم في ارتكاب أنواع الآثام وبالأخص الظلم وأكل المال الحرام، ولكي يؤكّد القرآن قبح هذه الأعمال، قالت الآية: (لبئس ما كانوا يعملون ...).وتدل عبارة (كانوا يعملون) على أنّ هذه الذنوب لم تكن تصدر عن هؤلاء صدفة، بل كانوا يمارسونها دائماً مع سبق اصرار.
بعد ذلك تحمل الآية الثالثة على علمائهم الذين أيّدوا قومهم على ارتكاب المعاصي بسكوتهم، فتقول: (لولا ينهاهم الرّبانيون والأحبار عن قولهم الإِثم وأكل السحت...). وقد أشرنا سابقاً إِلى أنّ كلمة (ربّانيون) هي صيغة جمع لكلمة (ربّاني) المشتقة من كلمة (رب) وتعني العالم أو المفكر الذي يدعو الناس إِلى الله، لكنّها قد أُطلقت في كثير من الحالات على علماء المسيحيين، أي رجال الدين المسيحي. أمّا كلمة (أحبار) فهي صيغة جمع لكلمة (حبر) وهي تعني العلماء الذين يخلفون أثاراً حسنة في المجتمع، لكنّها أُطلقت في موارد كثيرة على رجال الدين اليهود. أمّا خلو هذه الآية من كلمة (العدوان) التي وردت في الآية قبلها، فقد استدل بعضهم من ذلك على أن كلمة (الإِثم) الواردة هنا تشمل جميع المعاني التي تدخل في إطار هذه الكلمة ومن ضمنها (العدوان). لقد وردت في هذه الآية عبارة (قولهم الإِثم) التي تختلف عمّا ورد في الآية السابقة، ولعل هذه إِشارة إِلى أن العلماء مكلفون بردع الناس عن النطق بما يشوبه الذنب من قول،_  وهنا من اشارات صاحب التفسير اثابه الله  للمبلغين بوجه العام _  كما هم مكلّفون بمنع الناس عن ارتكاب العمل السيء، ولربّما تكون كلمة (قول) الواردة هنا بمعنى (العقيدة) أي أن العلماء الذين يهدفون إِلى اصلاح أي مجتمع فاسد، عليهم أوّلا أن يصلحوا أو يغيروا المعتقدات الفاسدة التي تشيع في هذا المجتمع، فما لم يحصل التغيير الفكري لا يمكن توقع حصول اصلاحات جذرية في الجوانب العملية، وبهذه الصورة تبيّن الآية للعلماء أنّ الثورة الفكرية هي الأساس والمنطلق لكل اصلاح يراد تحقيقه في كل مجتمع فاسد.
وفي الختام، يمارس القرآن الكريم نفس أسلوب الذم الذي إتّبعه مع أهل المعاصي الحقيقيين، فيذم العلماء الساكتين الصامتين التاركين للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقبح صمتهم هذا، كما تقول الآية: (ولبئس ما كانوا يصنعون).
وهكذا تبيّن أنّ مصير الذين يتخلون عن مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العظيمة وخاصة إِن كانوا من العلماء يكون كمصير أصحاب المعاصي، وهؤلاء في الحقيقة شركاء في الذنب مع العاصين.
ونقل عن ابن عباس المفسّر المعروف قوله: بأنّ هذه الآية أعنف آية وبخت العلماء المتجاهلين لمسؤولياتهم الصامتين عن المعاصي.
وبديهي أنّ هذا الحكم لا ينحصر في علماء اليهود والنصاري، بل يشمل كل العلماء مهما كانت دياناتهم إِن هم سكتوا وصمتوا أمام تلوث مجتمعاتهم بالذنوب وتسابق الناس في الظلم والفساد، ذلك لأنّ حكم الله واحد بالنسبة لجميع البشر.
وورد عن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) في إِحدى خطبه، أنّ سبب هلاك الأقوام السابقة هو ارتكابهم للمعاصي وسكوت علمائهم عليهم وامتناعهم عن النهي عن المنكر فكان ينزل عليهم ـ لهذا السبب ـ البلاء والعذاب من الله، وأن على الناس أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر لكي لا يتورطوا بمصير أُولئك الأقوام. كما ورد بنفس هذا المضمون كلام للإِمام علي(عليه السلام) في (نهج البلاغة) في آخر خطبته القاصعة (الخطبة 192) قوله(عليه السلام): «فإنّ الله سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين أيديكم إِلاّ لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلعن السفهاء لركوب المعاصي والحلماء لترك التناهي ...». ويلفت الإِنتباه هنا أيضاً أنّ الآية السابقة حين كانت تتحدث عن سواد الناس جاءت بعبارة (يعملون) بينما حين صار الحديث في هذه الآية عن العلماء جاءت بعبارة (يصنعون) والصنع هو كل عمل استخدمت فيه الدقة والمهارة، بينما العمل يطلق على جميع الأفعال حتى لو كانت خالية من الدقة، هكذا فإن هذه العبارة (يصنعون) تتضمن بحدّ ذاتها ذماً أكبر، وذلك لأنّ سواد الناس إِن ارتكبوا ذنباً يكون ارتكابهم هذا ـ غالباً ـ بسبب جهلهم، بينما العالم الذي لا يؤدي واجبه فهو يرتكب إثماً عن دراية وعلم وتفكير، ولهذا يكون عقابه أشد وأعنف من عقاب الجاهل._ انتهى الاقتاس _
فملاحظة اولى لما سبق النهي عن الرياء والمجاملة امام حكم الله والدعوة اليه كما تتضمن البعد عن المنافع الشخصية والانفراد دون الاستقامة وهذه مسؤولية المبلغين وبذلك انتفاء للتعالي والنرجسية والغرور من الذي يتسلق على أكتاف المبلغين الاخرين وهذا درك التهميش النازل نحو الفشل والسقوط وربما يحسبه المتسلق صعودا وبهذا تكون نظرته للامور مزيفة فهي بالتبليغ أكثر زيفا
ومنعا لحالات الضعف والانحراف يوصي مكارم الشيرازي في تفسيره الامثل دواءا لذلك يؤخذ بعين الاعتبار بقوله جازاه الله خيرا : لما كان هؤلاء المصلحون ورجال الدين يقضون أوقاتهم في خدمة الإِسلام والمسلمين، فينبغي أن تؤمن حاجاتهم المادية بطريق صحيح، وأن يقوم صندوق الإِعانة وبيت مال المسلمين بتكَفّل هذه الجماعة، فإِنّ واحداً من أغراض إِنشاء بيت المال في الاسلام هو هذا الغرض، أي ليصرف على رجال الدين المنشغلين بالإِصلاح والتبليغ. انتهت الوصية .
وهنا تبرز خاصة مهمة جدا لدى مبلغي اتباع اهل البيت عليهم السلام ترتبط ارتباطا وثيقا بصاحب الزمان الحجة الامام المهدي الثاني عشر عج تتجلى في الاحساس بالمراقبة الالهية من قبل المبلغ وهذه المراقبة تفرز وعيا يرتقي للتكامل وعملا خالصا للتربية الايمانية من خلال العبادة اولا والمعرفة ثانيا فيجد المبلغ ذاته امام سلوك امير المؤمنين علي ع ( لا تكونوا دعاة لنا بالسنتكم ) هذه الخاصة التربوية تتسم بالمشاركة بين كل المبلغين في العمل الدعوي القائمة على المنافسة للاحسن وتطرد نوازع التهميش الانانية بين رجال الدين وكلما بلغ التكامل الايماني ذروته في الفرد الواحد تسامت الجماعة واشتدت قوى الدين في المجتمع وبشرت بالحالة الصحية بين المؤمنين وجذرت الرقابة المهدوية شعورا بالحاجة لوحدة المصير والهدف الولائي في وحدة الامة للتمسك بالدين الاصيل وتقوى شوكة الاسلام بالسلام والحب بعيدا عن الاكراه والكره وتنتفي البواغض والمحاسد والاحقاد ويسعى كل مبلغ للنمو والتطوير وفق مقدرته على مواكبة العمل التبليغي من المبلغ المثقف لتستقر بالذروة والقوة ويكون مصداقا لقوله تعالى: ( الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه )
بعد الكلام في الواقع الديني للمبلغ ودقة رصد هذا الواقع واحتياجاته نرصد الواقع الاجتماعي الذي يشكل الماعون الحاضن للواقع الديني بما يؤثر ويتأثر من حيث الفرد والمجتمع .
فمن حيث انتشار البطالة التي تعتبر قنبلة منفجرة تتوزع شظاياها في كل الآفاق الاجتماعية العلوية والسفلية وأكثر ضررها يلحق الاديان وبالتالي يلحق كل جهد متعلق بها
والبطالة اصناف منها الرغبة في البطالة كما هي عند المترفين وهي حالة قعود خطيرة تؤدي لعدم الشعور بالمسؤولية واصطياد الفرص وشراءها بالمال
ومن البطالة صنف أخطر وهو ان يكلف المبلغ بالعمل ويستهتر به ولا يقوم بواجبه فهو كالفأر يقرض من حقوق العمل التبليغي المحسوب عليه وكلما نسج العامل المبلغ المكلف ثوبا قرضه هذا الفأر البطالي وشوه قيمته ومنسوجه
والصنف الاقل ضررا بمفهوم البطالة هو من لا يجد فرصة للتبليغ وهو قادر وربما يكون منسيا او مهمشا لا يعبأ القوم به وهذا تقع مسؤوليته على الادارة التبليغية اولا وعليه ثانيا لانه لا يعفى من التبليغ ولو بين افراد اسرته وعلى الاقل بلسانه وكتابه وقوله وفعله الذاتي على مبدأ من رأى منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه والتغيير ليس فقط بالتبديل والتحويل للاحسن واقعيا بل بمساندة ومعاضدة  الواقع الحسن فيتحقق العمل التبليغي اما باضافة قوة عليه او مشاركة القوى التي فيه او بأي كلمة تخدم هذا الواقع الايماني الحسن في جنب الله وهنا تبرز الحاجة للتقليد والاهم منها الحاجة للمرجعية والارتباط بها بكل ما تعنيه من معاني .
ولا بد من التنويه ان البطالة بكل معانيها تعني الكسل ذاتية كانت ام غيرية وهذا ضد الجد والاجتهاد والمبلغ الكسول ضرر كبير على التبليغ والكسل غير الاعياء والتعب ولا حاجة للتفصيل بذلك لشدة الوضوح .
وبالتالي فالبطالة هي الفراغ عينه واذا تركت الساحة فارغة ملأها الغبار او الحشرات او اي أمر يناصب العداء لعامل التنظيف المختص بها وبالتالي يتولد الخمول والقرف وتنحدر القيمة الى القمامة لذلك جاء الاثر الشريف ( الدين النظافة ) والمبلغ الصادق العامل هو اليد الماهرة للحب والجمال والايمان وعليه قال الصادق ع ( كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا )فهذه من مخلفات البطالة بل واكثر منها في الواقع الاجتماعي
و هو الذي يشير إليه قوله تعالى: و اسألوا الله من فضله الآية ولما لم يسال الله من فضله بالعبادة والعمل والجد ينظر الى الاسلام انه دين بطالة وفراغ وتقتصر العبادة على المترفين فارغي الاشغال الذين ينظرون اليه من خلال قعودهم وعدم اعترافهم باليوم الاخر فتطول عليهم اوقات العبادة والطاعة لانهم لحظيون نفعيون دنياويون
فعندما يملأ المبلغ وقته بالانتاج والجهد والجد تظهر السعادة عليه وعلى محيط تبليغه ويقهر ما سواه بالرحمة والانسانية ويطرد العبث واللهو في النفوس الحية ومن هنا خلق الله نموذجا حيا لمجتمع خال من البطالة وهو مجتمع النحل ولذلك جاء من تسميات امير المؤمنين علي ع –امير النحل –  فالذين يتشدقون انه لا يمكن حل مشكلة البطالة بين البشر الذين يملكون علوم الكسب والفطرة يتناسون ان الله خلق النحل الذي لا يملك الا الفطرة فلا مشكلة بطالة عنده فعلى المبلغ ان يتفهم هذا الامر لينظف مظاهر الفساد في الواقع الاجتماعي
ومن هذا ينفجر التواكل في المجتمعات وله تفرعات عديدة عندما لا يكون توكل على الله عزل وجل والحديث عن التوكل على الله والنفس لدى الانسان العاقل الذي كرمه الله بقوله (ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) .
هذا العاقل المكرم من لدن العزيز الكريم كيف عليه ان يتكل على من كرمه في اتكاله على الباري جل وعلا ليقبل الله حسن الصنع بحسن الثواب.
وبين التوكل والتواكل فاصل ضيق يتنبه اليه العاقل ساضرب مثلا يوضح من الواقع كأن تخول فلانا بوكالة ما فعلى المتوكل ان يتصرف بالوكالة بالتعقل والادب والوفاء والشروط المحددة  فهذا يكون بين الناس فكيف اذا كانت الوكالة من الله للناس؟؟ الم تستوجب منهم ؟ الدين والأخلاق والعقل والأدب والوفاء مع الله والحدود التي وضعها الله  فكل منا متوكل من قبل الله على نفسه وعلى غيره ايضا ويتحمل المبلغ اعلى درجات هذه القيمة . فقد توكلنا على الله بالطاعات والعبادات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقوام كل ذلك الإستقامة. وتوكلنا على انفسنا بالصدق والوفاء والإخلاص والعمل الصالح والنية الحسنة وقوام ذلك كله بالادب وحسن المعاملة. لذلك جاء القول الماثور/ من لا ادب له لا دين له/ فالله سبحانه وتعالى اعطانا حق التصرف وهو الرقيب علينا فاذا قمنا بالواجب احرارا كرمنا وفضلنا على الكثير من خلقه. والا انزلنا دون كثير ممن خلق. والذي يأخذ شيئا اتكالا مع المعصية فقد فرط في جنب الله واخذه الله بالزلة والصغار والعقاب والمؤمن من يرتجى عفوا الله بطاعته ليكتب عند الله من الصديقين ولا يستغل البسطاء فهذا من أشد أنواع الإتكالية .
 لكن العطاء من أخص عرى الايمان في الصدور فيجب ان نعلم انه في اموالنا حقوق لغيرنا من المحتاجين وهذه الحقوق يجب ان تدفع صحيحة بكرم وسخاء ويذكر الرواة (ان سيدتنا فاطمة الزهراء/ع/ دخل عليها ولداها الحسن/ع/ والحسين ع ورآها تدلك درهما بقطعة قماش لتنظفه فقالا لها ماذا تفعلين يااماه قالت اريد ان اتصدق به في سبيل الله فاحببت ان يكون نظيفا امام الله)
وعليه فأهم أسباب التوكل على الله تعاون المرء مع ذاته وغيره بما يرضي الله على البر والتقوى والاحسان والمحبة والايلاف والمبلغ وحده المتداخل بين نفسه وغيره واكثر من غيره تداخلا اذا فهم واجبه فينبغي ان نكون مهيئين للنهوض والنمو والتطور ومعالجة العقم في التقليد والتقييد والسلوك فاذا فرطنا في احكام الله وقفنا في هاوية السقوط  وبهذا لانكون قدمنا شيئا من التوكل ووقعنا في الإتكالية المذمومة .
ومن هنا تبرز الاتكالية على جهات وضعت نفسها في خدمة المبلغين فحاول المبلغون ان يأكلوها كالجمعيات والجهات الخيرية لا يرحمون استطاعتها وهذا لا ينفي ان بعض هذه الجمعيات تاكل بعضها بعضا لان القائمين عليها عينتهم الدولة السياسية الآكلة الا من رحم ربي فاذا اعتمد المبلغ عليها فهي احيانا تعمل لتعطيله عن قصد وخصوصا اذا نهجت منهجا يعيق الدين او المذهب في البلدان العلمانية او الالحادية فمثلا لدينا في سورية قرابة عشرات من الجمعيات الخيرية المعطلة بين من يعتبرون من اتباع اهل البيت ع ولما انشئت كان من مهام شهرتها الرسمية الاهتمام بالمساجد وائمتها كجمعية الزهراء في بانياس والجمعية الجعفيرية في طرطوس وفي اللاذقية وجمعية الرضا في جبلة وغيره في حمص وفي تل كلخ لكن هذا الشرط الغي منذ سنوات ولا يسمح لاي جمعية ان ترخص بهذا الشرط ( خدمة المساجد وائمتها ) فقط بين اتباع اهل البيت لكن الجمعيات السنية مازالت فاعلة وعاملة وهذا لا يسمح للمبلغ ان يتعلق بهذه الجمعيات الخيرية ويتواكل عليها بل عليه ان ينشط في مجالها وفيها .
ولما كان انتشار الفساد الاخلاقي يؤثر تأثيرا قويا على المبلغ فانه يزيد من دوره ومن نشاطه وخصوصا في هذه الازمة التي تمر في سورية والتي لم يسجل التاريخ شبيها لها فصار الفساد بكل اصنافه بلا حياء وبلا وازع ومات الضمير دونه فتجولت رسالة المبلغ الى دعوة في مجتمع جاهلي وهذا يتطلب قدرة وجهدا ومسؤولية ضد بناء فاسد قوامه فراغ الشباب وانصرافهم الى وسائل التواصل بكل انواعها والتي ادت لعزلة الناس وهم مجتمعون فصار من الضرورة الولوج بهذه المجتمعات من حيث هم منشغلون فيه ولا يترفع المبلغ عن مخالطتهم بهذه الاجواء تحت ذريعة انه رجل دين لا ينزل لهذه السوية فهو ما تريده السياسة العصرية واعداء الدين فعليه المشاركة بكل ما يستطيع بوجهه الديني وليس كما يرغبون فلا بد من التأثير او على الاقل يشعرهم انه موجود ومقاوم لكل انحراف فعندما يشبعون او يعجزون يلجأون اليه بدلا من الفراغ او الوقوع في احضان الغير وعوامل هذا الفراغ الاساسية ضعف التربية الاسرية والتفكك الاسري وذلك له عوامل معذورة وغير معذورة لتعقد مشاكل الحياة وانشغال الابوين بلقمة العيش التي من المستحيل على المبلغين حلها في المجتمع في زمن صارت الكماليات كالحاجات وعلى الاخص في هذه الفتنة الشاملة والتي يجب شرح جانب منها لشدة الفساد الناتج عنها فيما يتعلق بمهام المبلغين
ففي الفتنة قال الله تبارك وتعالى في كتابه المجيد (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) فنستدل من هذه الآية أنه لا بد من الفتن على المؤمنين ليمحصهم ويقبلهم فكثرت منافذ الشر عليهم في الدنيا وخصوصا اليوم وقد أصبح العالم كقرية ومن كثرة ما يعج ويضج في الكون من الفتن والمغريات والغزو بكل انواعه والأحدوثات والأطروحات أصبحنا في فتنة لا يعلمها إلا الله عز وجل.
ومن أكبر مؤججات هذه الفتنة أن يعرض الإنسان عن آيات الله وعن منهجه فإذا أصيب بالإعراض رماه الله عز وجل بالخزي والعذاب في الدنيا والآخرة فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى  قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً  قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى . فمن أسباب الفتن ومن أعظمها الإعراض عن منهجه وعن آياته وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في قرية آمنة مطمئنة يبين ما كان منها عندما اعرض اهلها عن طاعة الله واقامة شرعه : لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ .
ونحن أشبه ما نكون بتلك القرية فنحن في نعيم لا يقدره إلا من كتبه وأنزله وفي رخاء وفي أمن وأمان فلعب المستكبرون بنا فدبت الفتنة بيننا فلا امر بمعروف ولا نهي عن منكر وكل لا يهمه الا نفسه والله يقول: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ  كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
وكل يزيد من الترف والبذخ غافلا عن واجباته امام الله والناس فالأمة اليوم تعيش بذخاً وترفاً يتجاوزان الحدود ترف مالي وفكري ومادي وترف حتى في الفراغ فنحن نعيش حياة الترف ومن يقارن بين حالتنا هذه وبين حالة آبائنا وأجدادنا يجد البون الشاسع الترف في المساكن والترف في المطاعم والمشارب حتى في الصيام ولم نهيء له من ترويض روحي بل اعددنا له ما يغنيه من ترف جسدي هذا عند من يتهيئون للصيام اما الذين لا يعنيهم الصيام فحدث عن المعاصي ولا حرج وتراهم للاسف يلعنون محرضي هذه الفتنة ولا يلعنون انفسهم وتجاربهم في البعد عن الشريعة تاريخيا فقد تعرض اتباع اهل البيت في سورية لثلاث ابادات جماعية تقريبا وما زالت نخبهم غافلة عما يفعلون حتى أصبح كثير من الناس يعمل لهذا الترف متناسيا قوله تعالى :وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً .
ومن اسباب الفتن عدم إخلاص الولاء والبراء والمداهنة والرياء تحت ذرائع المعاملة والنفاق ففوجيء أولئك بأن علائقهم سقطت لأول وهدة ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ ) ناهيك عن استصغار الذنوب والإستهانة بها فإن استصغار الذنوب من علامات الفتنة والعياذ بالله! ذنوب كالجبال وتُستصغر حيث تجد بعض الناس إذا حدثته عن ذنب قال: هذا سهل وبسيط تحدثني عن هذا وهل هذه قضيتنا الأمر أسهل مما تتصور والله غفور رحيم فصار أهل المعصية آمنون من الله وأهل الطاعة أخوف الناس من الله.
ونسجت لهم حكايا الترف والمجون والفسق والجنون مدعومة بروايات التدليس والتزييف لتتمكن ثقافة الإنحراف عن الحق في المجتمع فنكص العلماء عن قول الحق وخرس الدعاة والمبلغون فأين قول الله ( لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
فهذا سكوت أهل العلم فلم يتكلموا ولم يبينوا للناس وقد انذرهم الله ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ  إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )
فقد وجب على من يحفظ حديثاً أو آية يجب عليه أن يبلغها كما يقول ص : بلغوا عني ولو آية . ويقول: نضر الله امرءاً سمع مني مقالة فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ) فالذين سكتوا عن الحق من اجل تقديم الدنيا على الآخرة يقول ص لهم : والذي نفسي بيده ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فتتنافسوا فيها فتهلككم كما أهلكت الذين من قبلكم )
فلقد دبت الفتن بينهم ولا حول ولا قوة لهم  انهم غفلوا عن قوله تعالى ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ ) ولا مخرج لهم من الفتن الا التضرع إلى الله عز وجل وصدق الدعاء وقول الحق والعمل بطاعة الله واقامة حدود الله فما قتل هذه الأمة الا الذين يصدرون الفتاوى على هواهم فهؤلاء ما عبدوا الله ولكن اتخذوا الههم هواهم ويظنون باستخفافهم انهم يحسنون صنعا .
والفرار من الفتنة لا يكون الا لله حيث قال عز وجل ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) والفرار لا يكون إليه إلا بالتوبة النصوح وبالاستغفار دائماً وأبداً.
( مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )
فمن هذا الواقع المؤلم والذي يظن ان لا رجاء فيه يعمل المبلغ الذي يكون اعداده لمثل هذا القدر والاهتمام به وبمسؤوليته العاملة في الفساد والفراغ والتفكك والضعف بل الهون والانتهاك وهذا توصيف ضيق للواقع الاجتماعي اذ يحتاج الى مجلدات ومجلدات ولكنه من السهولة قراءته اجتماعيا دون قلم وقرطاس .
ولما كان السياسيون سابقا يعيشون في برجهم العاجي ولا يسألون فانهم في الحاضر ولحاجتهم للمجتمع تداخلت سياستهم فيه ففسد الوقع السياسي والاجتماعي وفق مفاهيم الغربنة الاستكبارية الاستعمارية التي فصلت على مقاييس الالحاد والاباحة ورفض الاخلاق كاسطورة الديمقراطية وحقوق الانسان والرفق بالحيوان وغيرها من الاضاليل التي عريت من التقوى والايمان وكأن الانسان خلق اليوم ولا مواضي تربوية وخلقية له وهذا يشكل عبئا شديدا على المبلغين واقف عند امثلة من ذلك لتصوير الواقع السياسي في مجتمعنا منها:
الأمن الذي تبحث عنه النفوس في كل شأن من شؤون الحياة هو جزء من القرآن الكريم ومن هدي رسول الله وآله الطاهرين ومحور هذا الأمن الإيمان الذي مقره القلب سواء كان ذلك فيما يتعلق بالنفس ومتطلباتها أو ما يتعلق بالمجتمع وترابطه مع الأوطان والأعراض والممتلكات وغيرها وما يتعلق بالأمن يظل مسلكا تنفذ النفس به لرضا الله واستجلاب رحمته والأمن من عذابه في دار الدنيا ودار الآخرة وكل أنواع الأمن لها مطالب ملحة تسعى إليها البشرية في كل عصر وفي كل مكان وفي أي مجتمع وبيئة لأنها تلامس المعائش الخاصة والعامة والنفس البشرية تبحث عن ذلك ولا تدرك مدى الحاجة له والضرورة الملحة إليه إلا بفقدان هذا الأمن والإستقرار
ويؤصل هذا المدلول ما روي عن رسول الله ص بقوله (نعمتان مجحودتان الصحة في الأبدان والفراغ )أي الصحة وراحة البال وبالإطمئنان الإجتماعي هذا يترسخ الإيمان الذي يجعل النفس البشرية تؤمن بما قدر الله وتستسلم لقضائه وتحتسب ذلك عنده أجرا مدخرا والإسلام جاء لمصلحة هذه النفس الإنسانية وتوجيهها لما يسعدها ورسول الله ص الذي بعثه الله رحمة للعالمين كان القدوة الحسنى بمنهج السلوك والعمل وبدعوته لتأصيل الإيمان وتمكين العقيدة لأن ذلك يطمئن النفس ويريحها . ومن هنا ندرك أهمية ما جاء في القرآن الكريم من آيات وعبر تقوي دعائم الإيمان وتمكنه من النفوس في كل أمر يعترض الإنسان في أمور حياته وآخرته لما له من أثر في توطين النفس على الرضى والاستسلام وفق منطلق عبادي جليل جعل من التوجيه الإسلامي قاعدة متينة يرتكز عليها وسندا قويا يدعمه  لتشد بذلك جوانب الروح حتى لا تنحرف أو تزيغ .
وإذا كانت النفوس في عصرنا الحاضر الذي تقاربت فيه الشعوب وتداخلت الثقافات وقد دهمها الاضطراب  بحيث أصبح القلق يؤرقها في كل شيء فهي تخاف من بعضها البعض وهي تخاف من كوارث الحياة والأمراض المتعددة والأوبئة ووسائل الإعلام حتى أصبح الخوف والقلق سمة من سمات هذا العصر لضعف الوازع الإيماني حيث بغير التقوى لا تؤمن هذه النفوس بقضاء الله وقدره دون سخط أو تأفف ولا تحتسب الأجر فيما تتحمله عند الله مدخرا في يوم الجزاء والنشور ويؤكد هذا المعنى رسول الله ص في حديثه لابن عباس حيث خاطبه ( يا غلام احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك )
والهدى والتقوى يسوقا الى البشر في حياتهم الدنيا ما ينبه النفوس من غفلتها ليذكرها كلما بعدت وهذا هو الإيمان بالله وبكتبه وبرسله وهو معرفة الحق المطمئن الذي جاء بقوله تعالى ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ )
ذلك أن تسليم الأمور لله وعدم الجزع مما حل لا يتحمله بصبر وثبات ورضى واطمئنان إلا النفوس المؤمنة المحتسبة وتتقبله القلوب الطيبة كما توضحه الآية الكريمة (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ )
والقرآن الكريم يربط كل عامل من عوامل الدنيا التي تجعل الإنسان قلقا بشأنها بسلامة الإيمان ونقاوته وبذلك تخف الوطأة وتهون المصيبة وتهدأ الثائرة ومع كتاب الله يتلمس المتدبر سرا عجيبا وعلاجا مريحا يزيل عن النفس كابوس القلق ومؤثر الاضطراب وهذا أكبر مؤثر يريح النفوس ويجعل لكل حالة مخرجا كما قال امير المؤمنين علي ع :
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج 
 ضاقت ولما استحكمت حلقاتها  فرجت وكان يظنها لا تفرج .
وما تعانيه البشرية اليوم من قلق واضطراب وأزمات عديدة وقد جاءت دراسات غربية تقول : إن المسلمين لا يعرفون الانتحار المنتشر في بلاد الغرب وإن المسلمين لا يعيشون الاضطرابات المتعددة التي وقع فيها أبناء الغرب ولا نلمس في ديارهم كثرة المصحات النفسية وشركات التأمين على كل شيء يخشون ضياعه أو حلول كارثة فيه لأن الإسلام بنى نفوسهم على الراحة والأمان والطمأنينة والسلام ولولا استعمارهم وتحكم الطواغيت منهم بخروجهم عن هدى كتابهم القرآن لنشروا الإستقرار والأمان في كل العالم . فلما تركوا سبيلهم واتبعوا سبل الغرب سهل على اليهود جذبهم إلى مصائدهم واستغلال نقطة الضعف فيهم . ومن هنا ندرك بعضا من سر عداوة اليهود للإسلام وأهله كما جاء في القرآن الكريم (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ ) فاليهود وصفهم الله بشدة العداوة لأهل الإيمان لأنهم يعرفون الحق الذي أنزله الله على عباده ويتركون العمل به وأتباعه عن قصد فقست قلوبهم على الشعوب .
ومن اتبعهم من المسلمين اكتسب هذا القبح وهذا الإضطراب وعدم الأمان عنهم وبتحريض منهم وروي بهذا الخصوص (من فسد من عباد أمة محمد ص ففيه شبه باليهود ) واتمم بحديث يكتب بماء الذهب لامير المؤمنين علي ع ( لا اوطان بلا امان ) اي ان الانسان بلا امان كأنه يعيش بلا وطن وهذا ما حث فيه امير المؤمنين للمحافظة على الامان لتحفظ الاوطان فالتفريط باي منهما تفريط بهما معا ولولا ان قيض الله اناسا احرارا يدافعون عن امن الوطن لما بقي للاحرار وطن .... اليس في هذا المثال وهجا يضيء للحالة المعاكسة للقيم التي ظهرت فيه فهو بيان لما يضاده من واقع فالمبلغ هو القادر الوحيد على استرداد الاخلاق الافتراضية في حياة الانسان باعتبار ان الداء وسببه قد شخصهما الاسلام المحمدي الاصيل فهي خطوة في الجهاد الذي ذكره الامام الخامنئي في اول هذا البحث . ولا بد من وقفة هامة عند اسباب ضعف الوعي السياسي عند المبلغين يتجلى في عدم متابعتهم للتطوير والتجديد ومع كل الشؤون العالمية والسياسة واعتماذ المقارنة والمفارقة في ذلك وهذا من اهم الامور لعمل المبلغ فلا يستحي ويقتصر على البحوث الدينية فهو في مجال متعدد ومتنوع والواقع فيه قسوة يجب ان يتحملها المبلغ فمن الواقع السياسي وعلامات الظهور
عندما نقول الواقع السياسي يشمل واقع الحياة بمجملها لانه كل شيء سياسة ومن هنا ينظر الى الدين الاسلامي انه دين حياة وآخرة لاعتماده حكومة المجتمع بكل تفاصيله وفي خصوصية التبليغ ننظر الى واقعنا السياسي التبليغي لارتباطهما الشديد في تكليف المبلغ وننظر فيه امورا عديدة اهمها العلاقة بين المسلم والاسلام والتي تنطلق في المبلغ من قوله تعالى : وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى . فكل عمل غايته ووسيلته التقوى ورضى الله على السواء يعتبر نعمة من الله عز وجل على العبد وهذا هو المعيار الحق للعمل الصالح وللمسلم في الماضي والحاضر والمستقبل .
فالمسلمون بشكل عام والعرب بشكل خاص وعلى رأسهم القرشيين لم يكونوا شيئا يذكر بلا رسالة الإسلام الحنيف وكلما تفهموا هذه الرسالة كلما ارتقوا على سلم الأمجاد والعكس صحيح وهذا العكس الذي يشكل واقعنا بعد اربعة عشر قرن ونيف خير شاهد على هذه المسيرة فأين وممن وقع الخلل  نحن لا نريد جلد ذواتنا وان كان السوط ينفع في هذه المرحلة لكننا نريد ان نفند أخطاءنا لنستفيد ونتبين الصواب اذا أردنا الهدى والتقى والأمجاد فالرسالة الإسلامية اهم بكثير من صنمية الأشخاص ونسأل اولا اين الخلل ؟: أهو في القرآن الكريم المنزل من لدن عزيز حكيم ليس بذي عوج وهو الصراط المستقيم
ام في محمد ص النبي الكريم ذي الخلق العظيم الصادق الأمين رحمة العالمين وهو من لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى علمه شديد القوى .
ام من الواسطة بينهما .وهم العلماء والقيمون على الإسلام بعد رسول الله ص نعم هي هذه الواسطة التي اودت بالدين الى هذا الحضيض وليست العلة في القرآن ولافي في النبي محمد ص فالذين اتبعوا مسؤولية هذه الرسالة من المسلمين هم موطن هذا الخلل فينبغي متابعته وتشخيصه لنقف عند الداء ونقدم الدواء للشفاء .
فمن البداية من ام القرى مكة فلا يتعلق الأمر حكما في المدر والحجر ولكنه بالبديهة مرتبط ببني البشر فالقرشيون هؤلاء وقفوا بوجه الرسالة وصدوها بقسوة وحاربوا وبشراسة وكفر نبي الرسالة مصدر عزهم وشرفهم واسلموا وبقيت الضغائن في قلوبهم توطد لعقولهم في كل فرصة سنحت لهم للإنتقام من محمد واهل بيته ففعلوا الأفاعيل وصنعوا الأعاجيب وحافظوا على جاهليتهم وهمجيتهم وشعورهم بالدونية امام الفرس والروم وما نزع الإسلام منهم غيظا ولا حقدا فجعلوه مطية لظلمهم الذي ما إن اوقفه الإسلام برهة وهم كارهون الا وازدادوا توحشا بعد حين ولم تكن مدة اسلامهم كافية لترويضهم رغم ما جرى من تنازلات هامة واساسية لهم  في سبيل تعزيز عرى الإسلام في نفوسهم ولكنها لم تجد نفعا وبقيت الحجة عليهم رغم هروبهم  منها بالمال والسلطة ومساندة اعداء الإمة والدين .
فالآعراب هؤلاء اراد الإسلام ان يجعلهم خير الأمم وبيتهم خير البيوت ببركة محمد واهل بيته  ص لكنهم رفضوا لطبعهم الغدار ودونيتهم الساقطة فتقهقروا شر انقهار بسبب ما تغير في نفوسهم وباستكبارهم وعنادهم وقراراتهم الضالة الموتورة ونزعتهم انهم شعب الله المختار التي اخذوها عن اسيادهم  وحكامهم الذين ارتبطوا باليهود فقالوا لهم كل الناس سواد لقريش يرددونها هنا وهناك فاغتروا حتى قالوا ان شرف نبي الله اسماعيل من امه هاجر هذه الأمة زوجة نبي الله ابراهيم ولم يربطوا شرف اسماعيل بأبيه ابراهيم ظنا منهم بذلك رفعة لعرقهم الوثني الهمجي فصاروا بعجبهم وخبثهم يعيرون الأمم الراقية بعبادة النار وهم يسجدون لهبل واللات والعزى كعاهرة تحاضر بالعفة واعجزهم احتواء الجميع وموائدهم خلت من مشاركة الشعوب البائسة المظلومة وجعلوا الزكاة مغنما والحكم مغرما فجعلوا سياستهم دينا وشريعة بالقهر والإضطهاد والسيف وبدلوا فيها سنة صاحب الشريعة محمد ص ونصبوا انفسهم محل اهل الحق وتقدم الوراء الملوث على الأمام النظيف والقناص الأقوى منهم فتك بالصيد وأتخم منه ورمى الباقي للوحوش التي افترست الرسالة والمتضورون حوله وبين يديه غلبهم بظلمه ووحوشه وفرض على الناس انه الموكل المجتهد ومخالفته شر مستطير يعاقب عليها يوم القيامة فغدا المسلمون بين مرتد وخارجي وزنديق وهو ولي امر المسلمين ولا وازع في قرآن الله وسنة نبي الله وليس محمد الا طارشا موزع بريد سلم الرسالة له وانتهى دوره ويرى انه خير منه لأنه حافظ على الرسالة وامر بالعمل بها وقام عليها وعلماء دينه يشرعون له ذلك كل بمقدار اعطيته .
والرغبة والرهبة بيد المطففين لا بيد من دعا ربه رغبا ورهبا فسحق الرعب والإرهاب خشوع المسلمين وكثرت الأعذار والتبريرات  والتمريرات وكثرة الأعذار من النفاق فتعجب اجسامهم ويسمع قولهم ويتوجسون من همسة حقيقة في أقصى الدنيا لأنهم جبناء واصحاب باطل ولصوص يحسبون كل صيحة عليهم .
هذا بعض من الأعراب اما الكل فيعجز حصره وهو ما نعيشه اليوم فصار كل هؤلاء اصنام مقدسة رغم ما أحدثوه وضحاياهم صارت مصادر خوف ومعارض اتهام برئت الذمة منهم فلا يعصم مالهم وعرضهم وشخصهم .والظالمون وأئمة الضلال  يوزعون الذمم على اعداء الدين بذرائع أهل ذمة واهل كتاب وكأن القرآن ليس كتاب فالذي يحتضنه ليس من اهل الكتاب ولا ذمة له لأنه يوالي محمدا وآله وهذه من أكبر الجرائم عندهم لأنها تذكرهم بمحمد ص في الأمس واليوم وفي المستقبل.  فالخلل في هذا الذي أمات فينا روح الإسلام المحمدي وأحيا الإسلام القبلي وكأنه لاتعرف الرجال بالحق ولكنها بالتبعية والصحب الذين احدثوا بعد نبي الهدى فسيقوا الى جهنم ولم تنفعهم شفاعة محمد ص يوم الموقف لكثرة ما آذوه في دينه وولده . فوصفهم الله بقوله عز وجل : وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ . وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ . هذا الواقع المستمر بوحشيته المتصاعدة بارتباطه بالمستكبر وانسانيته المتنازلة لتفكيكهاعن الاستقامة ناهيك عن اعتماد الصراع بديلا عن الحوار . وفي هذه يبرز الدور والانذار في علامات الظهور المفروشة في هذا الواقع هذه العلامات التي خرجت من فوهة تنور الترغيب والترهيب
تيمنا بقوله تعالى في التكليف وفي النتائج: وعَدَ الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنَّهم في الأرض كما استخلفَ الذين مِن قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلّنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً.
فإن الله أمر بطاعته ورسوله والأئمة من بعده فقال تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. ووليّ الأمر الذي أمر بطاعته إطاعة مطلقة يلزم أن يكون معصوماً وإلاّ لقيّد في الآية اطاعته بقوله مادام مطيعاً مثلاً وجعل طاعته نفس طاعة الرسول فلم يكرّر الأطاعة مرّة ثالثة وإنما طاعة واحدة للرسول وأولي الأمرفيلزم أن يكونوا بمستوى الرسول بالعلم والحكم والعدالة وإلاّ لذكّرهم باطاعة ثالثة وعنه(ص): إنّ الله لا يستحي أن يعذّب أمّة دانت بإمام ليس من الله وإن كانت في أعمالها برّة تقيَّة وإنّ الله ليستحي أن يعذّب أمّة دانت بإمام من الله وإن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة وعن أبي عبد الله(ع) قال رسول الله(ص) من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية قال نعم قلت جاهلية جهلاء أوجاهلية يعرف إمامه قال جاهلية كفر ونفاق وضلال.
وسنثبت بعض علامات الظهور ونتدبر كنهها ولا نستوقف نشاطنا في نصها منها للمثال والانطلاق لانها عديدة لا تحصى وغنية لا تسلى فمثلا :
اولا : يخرج الروم فيقيمون على طرسوس، وطرسوس مدينة تقع في كيليكية فيفتحونها بالقوة والسلاح فيوافيهم المهدي(ع)فيقتل من الروم حتى يتغير ماء البحر بالدم،وينهزم من في الروم ويقيم المهدي(ع)بأنطاكية سنة.ثم يسير المهدي(ع)بعد ذلك ومن تبعه من المسلمين حتى ينزل على القسطنطينية فيقتلون فيها ثلاثمائة ألف مقاتل،ويستخرج منها الكنوز
ثانيا : يخرج الخوارج تنظيم القاعدة الوهابي من الرملية وهي اسم لبلدتين بلدة في العراق وبلدة في لبنان يخرجون على الإمام القائم فيقاتلونه فيقتلهم وهؤلاء من المنافقين،والفاسقين،والكافرين،الذين يكرهون الإمام،ويكرهون قيامه،فلذا لا يعتنقون مذهبه وطريقته
ثالثا : عن أبي جعفر الباقرقال:أما أنّ قائمنا لو قد قام لأخذ بني شيبة وقطع أيديهم،وصلبهم وقال هؤلاء سرَّاق بيت الله.
رابعا : عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله:إذا قام القائم(ع)هدم المسجد الحرام،حتى يردّه إلى أساسه،وحوَّل المقام إلى الموضع الذي كان فيه،وقطع أيدي بني شيبة،وعلَّقهابالكعبة وكتب عليها سرَّاق الكعبة.
خامسا : وروى الصدوق بإسناده إلى الصادق في حديث طويل قال:أول ما يظهر القائم(ع)يقطع أيدي بني شيبة،الذين معهم مفاتيح الكعبة في هذه الأعصار، ويعلَّقها بالكعبة،وينادي عليهم هؤلاء بني شيبة سرَّاق الكعبة.
سادسا : وينتقم من أهل الفتوى في الدين لما لا يعلمون فإنهم يفتون برأيهم من دون استناد إلى الكتاب والسنة،وبدون حجة،ودليل،وبرهان.
سابعا : وعن النبي(ص):((أحذّركم سبع فتن تكون بعدي،فتنة تقبل من المدينة وفتن بمكة وفتنة تقبل من اليمن وفتنة تقبل من الشام وفتنة تقبل من المشرق وفتنة من الغرب وفتنة السفياني جبهة النصرة والجيش الحر وامثالهما السفياني واسمه عثمان ابن عنبسة كما جاء في تعريف السفياني والسّفياني لا يبعد أنه أكثر من شخص
ثامنا : وعن النبي(ص):((إن من أشراط الساعة دخاناً يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث في الأرض أربعين يوماً فأما المؤمن فيصيبه شبه الزكام وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران يخرج الدخان من أنفه ومنخره وعينيه وأذنيه ودبره)) (ولعل هذا الحرب العالمية الثالثة وإنها لا تدوم كثيراً)
تاسعا : عن الإمام الصادق(ع):((إذا رأيتم الرايات السود تخرج من خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج فإنَّ حملتها يطلبون الحقّ فلا يعطونه فيقاتلون وينتصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلون كأني بهم قد وضعوا سيوفهم على عواتقهم حتى يدفعوا راياتهم إلى القائم المهدي إلاّ أنهم أنصار المهدي يوطنون له سلطانه قلوبهم كزبر الحديد فإذا رأيتم الرايات السود تجيء من قبل المشرق فأكرموا الفرس فإن دولتنا فيهم)
عاشرا : ففي كتاب الفتوحات المكية لابن العربي شعر عن أمير المؤمنين(ع) قوله: ونار في الخليج لها سعير وحكم في الحجاز مع العلوج
وأضحى المسجد الأقصى يتيماً وبات الحكم مع ذات الفروج
 حادي عشر : وفي مسند أحمد عن النبي(ص): يحكم الحجاز اسمه عبد الله من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم،إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله).(فإذا انقضى ملك فلان أتاح الله لآل محمّد برجل منّا أهل البيت يسير بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشى والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه ثم يأتينا ذو الخال والشامتين العادل)وهو الحجة(ع)(الحافظ لما استودع فيملأها قسطاً وعدلاً).
ثاني عشر : وفي كتاب(فتنة الوهابية)في حديث عن رسول الله(ص)يصف لباس الخوارج يقول:)تمرق فرقة من أمتي محلّقة رؤوسهم محفوفة شواربهم أزرهم إلى أنصاف سوقهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم
هذه البنود نعكسها على واقعنا ونربطها بالاحداث ونضع الهدف المهدوي امامنا نقطة ارتكاز فيتحدد مستقيم النجاة في توجيه المجتمعات الى الامن والامان والسلامة والاطمئنان ومهما كانت صعوبة السلوك والممارسات الحياتية
وبعد هذا العرض الذي يربط الواقع السياسي بعلامات الظهور يؤكد التوازن بينهما في نشاط المبلغين وهذا يضطر المبلغ الى فهم اسباب التزود بالمعاناة السياسية الحالية والماضية ويستقرأ الواقع السياسي المستقبلي ليصل الى الهدف المرجو في هذه المهمة ويحقق نجاحه بقدر ما تكون قراءته المستقبلية صحيحة  
اما بانعدام اسباب التزود المعرفي السياسي بكل احتمالاته وتفرعاته بما يخص الرجال والنساء يتطلب مشاركة المرأة في هذا الواجب وعليه يجب ان يبين واقعها العملي في هذا المجال واسس تفعيلها وتاهيلها والعلم بقصورها الذاتي والغيري وخصوصا عندما يتعلق الكلام في المجتمعات التي تحرم هذه المرأة حتى من حقوقها في الدين والمعرفة وممارسة الحياة وقبل ذلك لا بد من وقفة ولا غير كافية مع حالة هذه النساء في حواضن مذهب اهل البيت العلمانية من جهة وعند النساء من اتباع مدرسة اهل البيت اللواتي يحترم الدين عندهن ويعملن بموجبه ومن هنا تنقسم النساء من حيث التبليغ والعمل الى خطوط متباينة
انطلاقا من قول الله تعالى ( وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ )
فان الانسان الحي في هذا الوجود من ذكر وأنثى كل متكامل بعضه الرجل وبعضه الاخر المرأة  كالثمرة ذات الفلقتين لا تعطي نباتا اذا تعطلت احداهن .
ولما كانت الحياة ثمرة البقاء والاستمرار كانت المراة رمز العطاء في البقاء.
فالمرأة الفاضلة العاملة العالمة موازنة للرجل الذي يحمل هذه الصفات .
واخذ الاسلام بعين الاعتبار هذا الأمر  بالتساوي ومايزه بالقوامية لأحسن المعاشرة لكليهما وليس للتفاضل بينهما .
لقد اشير بالذكر الحكيم والحديث الشريف والاثر المعصوم على اقوال تدل على قصور المراة اذا ما قيست بالرجل وميزات هذا الترجيح هو الاستقامة والعمل الصالح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر فلو وضع الرجل المستقيم في كفة الميزان ووضعت المراة  المستقيمة بالكفة الاخرى لما رجح أحدهما على الآخر بالمجمل حيث إذا تقدم الرجل بقليل في العبادة والارث والحرية بضرورة التكوين  والعمل لتقدمت المراة في العطاء والحب والجمال  لنفس الضرورة على مسار التكامل الإنساني بجسد واحد فالرجل هو الراس المدبر المتوازن والمراة عيناه واذناه وشفتاه وفمه ولسانه وهما معا قلب واحد لكيانه المستقيم فجانب القصور في المراة عوضه الله لها في جوانب اخرى كما هو الحال للرجل وبنفس المستوى فالحنان والعطاء والامومة والطهارة والحصانة والرضاعة والتربية قيم في المرأة من اجل عظمة تقدمها  وكرمها الله لحكمته من دون الرجل فقد أعطت البشرية والانسانية نبيا هو المسيح بن مريم /ع/ بلا رجل .وأعطت أئمة هدى كالحسن والحسين ابني فاطمة بنت محمد /ص/  مع خير الرجال علي /ع/.  فالله سبحانه تعالى يقول  {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة71
هكذا يكون التفاضل بين الرجل والمراة  من عين الولاء نفسه وهو معنى القوامية الحقيقي .ولنتدبر هذا الحوار بين اسماء بنت يزيد الانصاري نيابة عن نساء المدينة في شكوى النساء الى النبي/ص/انها اتته فقالت : بابي وامي انت يا رسول الله انا وافدة النساء اليك.. ان الله عز وجل بعثك الى الرجال والنساء خاصة فآمنا بك وبإلهك  وانا معشر النساء محصورات مقضى بيوتكم ومقضى شهواتكم وحاملات اولادكم وانكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج وافضل من ذلك الجهاد في سيبيل الله وان الرجل اذا خرج حاجا او معتمرا او مجاهدا حفظنا لكم اموالكم وغزلنا ثيابكم وربينا اولادكم أنشارككم في هذا الاجر والخير؟؟؟ فالتفت /ص/ الى اصحابه بوجهه كله ثم قال هل سمعتم مقاله امراة قط احسن من مقالتها في الامر من هذا ؟؟ فقالوا يا رسول الله ما ظننا ان امراة تهتدي الى مثل هذا فالتفت النبي /ص/ بوجهه كله ثم قال اليها أفهمي ايها المراة وأعلمي من خلفك من النساء ان حسن تبعل المراة لزوجها يعدل ذلك كله /.ففي هذا الحديث وضوح تام لمسؤولية المرأة ومساواتها للرجل .فمهما اعطيت المراة من حقوق يبقى هناك اساس لا تفريط به عبر العصور والدهور بين الرجل والمراة الا وهو حسن المعاشرة .
 فدور المراة في العقيدة المحمدية دور رفيع ومرفوع كما خلقها الله سبحانه وتعالى ايمانية انيسة طاهرة عفوفة تنساب فيها السجايا ولا متشبهة بالرجل ولا معاندة ولا مزاحمة في الاعمال كالرجل فمن يزرع الزهرة على الرمال لا يشم رائحة العطر.
وان الحديث عن المراة المسلمة حديث ذو شجون اصطدمت بسلبية الواقع وتقوقع البعض من خلال الاداء في تقاليد وعادات افرزها سوء الفهم والتعامل مع الغريزة فكانت النتيجة ردة فعل قاسية على المجتمع الاسلامي وان جوهر المشكلة التي نعانيها يكمن في الجهل المطبق والتقليد الساذج من نسائنا باساسيات الرسالة الاسلامية ومحاربة المراة الواعية التي تحاول الاطلاع والتعرف على الرسالة بدلا من مساعدتها وافساح الطريق امامها والمعانات الداخلية القاتلة للرغبة المسلمة بين الرغبة الجامحة في تقرير مصيرها بالوجود وباي  شكل كان وبين الحشمة والاعتصام والسلوك الصحيح البعيد عن المزاحمة في سوق الرجال وهذه اخطر المصائب الذاتية في المراة فهي تنكر حاجتها لتغير المالوف الصائب والمعهود القيم ولو كان ضد مصلحتها .
ان وعي المراة في مجتمعاتنا ضرورة حياتية لازمة لبقائنا وهذا الوعي لا ينمو الا بكشف ما يطويه التاريخ والوثائق من العيوب . بالقوة والمواجهة والشفافية  وليس بالمجهول والمهزوم وقال الله تعالى  {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً }النساء .
و قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في حجة الوداع / اتقوا الله بالنساء واستوصوا خيرا بهن وقال :/خير الرجال خيرهم لنسائهم/ وقال استوصوا بالنساء خيرا فما اكرم النساء الا كريم /. هذه أقوال مؤسس الدعوة الاسلامية محمد بن عبد الله/ص/ ويتضح منها أن الإمارة ليست للنساء لأن الوصية لهن وهذا ليس نقصا وعيبا كما يزعم الأدعياء لأنه /ص/ قال في الأنصار /استوصوا بالأنصار خيرا / وشرح علي بن أبي طالب /ع/ هذا القول أنه من كانت له الوصية ليست له الإمارة لأن الخلفاء بعده إثني عشر كلهم من قريش ومن علي وفاطمة فهل يعني ذلك عيبا في كل البشر الباقين .وهذه مدرسة رسول الله الكريم الذي لا ينطق عن الهوى. وهذ1 غيض من فيض .فهذه الخصوصية العامة التي اوصى الله بها القوم بالقوم واكد لاحقا بوصاية النساء بالنساء ليستكمل اعجازه في  احكام الفعل .
ولابد من الاشارة ولو بايجاز الى مفهوم الارث وحقهن من الميراث الشرعي /للذكر مثل حظ الانثيين/ فهذا ليس إجحافا بحقها كما يتأولون.  ففي المنطق وامام القوانين الوضعية نظر الإسلام للرجل والمرأة  نظرة أسروية للمجتمع وليست فردية تفصل الجزء عن جزئه فلو افترضنا ارثين في كل منها ذكر وانثيين وتم الزواج بينهما فالميراث الشرعي يحتم النصف للذكروالربع للانثى .فعندما يتزوج ذكر من الأسرة واحد مع انثى من الأسرة إثنين فيكون نصيبهما كأسرة وبيت جديد لكل بيت  ثلاثة ارباع الميراث  من واحد واثنين. وفي ذلك عدل ومساواة من وجهة المنطق والحق .
ولا بد من ذكر بعض حقوق الزواج فحق الزوجة القتال من اجلها والعدل بين النساء وحقها في الميراث وحسن المعاشرة وتقديم الحماية والمعاش لها .
وحق الزوج الطاعة وحسن التبعل والعفة والحصانة وحفظ سره في سفره وحضره واعترافها له بالذنب ولا تخفي له سرا ولا توغر له صدرا ولاتمنعه نفسها ومالها عند حاجته .
ولا بد من شاهد لكيفية تحول الخير الى شر بين الرجل والمراة في العلاقة الزوجية ليتضح لكل عاقل أن المسالة ليست في النقص هنا أو الزيادة هناك وليست نظرة فردية إنما هي حالة أسروية مستقرة وهذا الشاهد هو  قول امير المؤمنين /ع/ خيار خصال النساء شرار خصال الرجال / الزهو والبخل  والجبن  / فاذا كانت المراة مزهوة لم تمكن من نفسها واذا كان بخيلة حفظت مالها  ومال زوجها واذا كانت جبانة فرقت من كل شيء يعرض لها /.
اذا الزهو والجبن والبخل/ ثلاث خصال جميلة عند المراة وقبيحة عند الرجل لأنه إذا كان مزهوا كان متكبرا وإذا كان جبانا ليس برجل وإذا كان بخيلا لا كرامة له وهذا المعنى يتضمن إمارة الرجل على المراة في العلاقة مع الغير في المجتمع فهي إمارة أسروية تقضي رأسا واحدا للعائلة هو وليه ونرى امير المؤمنين/علي / اوصى بالمراة كثيرا ومن وصاياه انه قال / المراة ريحانة وليست قهرمانة / والقهرمانة هي التي تتصرف دون التشاور مع  زوجها فهذا منهي عنه في الحقوق والواجبات ويناقض قول الله  تعالى  {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21/ وعليه فهذه القيم الثلاثة إذا حملتها المرأة بعدل كانت جمالا بينما في الرجل قبحا لإنعكاسها على الآخرين أسرويا وهذا يحتاج لبيان أوفى ليس محله الآن . فالمهم أن نستفيد من هذا الشاهد في الحالة العملية في كل قيمة حيث لاترتبط بنوع حاملها بل في غاية مردودها لصالح المرأة والرجل معا .
من هذا الفهم للمرأة ودورها الانساني نسعى لتكليفها بالعمل الدعوي الصحيح لتكون من المبلغات الناجحات هذا الدور الذي تصنعه بنفسها تفاعلا وانفعالا بالواقع العملي للتبليغ هذه المرأة التي اعيت الحكماء والعلماء والادباء والشعراء فلم يجدوا ما يوازنها من لفظ او معنى لانها الأم من كل شيء انها رمز للشمس و رمز للارض ورمز للشجرة ورمز للعطاء ورمز للتضحية انها وحدها التي تعطي وهي راضية  ولا تريد شيئا .
 ومن عظمتها أن الأنوثة استمدت عظمتها منها ووهب الله هذه العظمة للمرأة بأربعة نماذج من الطاهرات المطهرات آسية ومريم وخديجة وخيرهن الزهراء فاطمة بنت رسول الله /ص/ وليس لهن مثيل بالوجود نماذج للجهات الأربعة الأم والأخت والإبنة والزوجة  .
ولكل واحدة منهن شأن في الاقتداء وبعبارة واحدة فآسية تربى في حضنها موسى عليه السلام .ومريم ولد من طهرها عيسى عليه السلام .وخديجة التي قام ببيتها محمد عليه السلام وفاطمة التي حضنت عليا عليه السلام فأين كل ما خلق الله وما لم يخلق من موسى وعيسى ومحمد وعلي ./ع/  
ونحن ان وقفنا مع عظمة هذه الانثى فاننا لا نستطيع بذلك الا تقديم بطاقة عرفان بالجميل لكل اللواتي يمثلن المرأة التي تموت ليحيا جنينها حبا وهي التي تهب دمها حليبا مغذيا طاهرا لطفلها ضاحكة مستبشرة راضية مرضية وهي التي ان انجبت تكبر في الم الانجاب وان ارضعت تستقوي في ضعف الرضاع وان ربت ما استصغرت شيئا وان علمت بذلت كل جهد للنجاح .وهي في كل مجال تعطي الحياة وتعطي الحب والرضى.
 لقد صبغ القران على لفظه الام وشاح غار وايمان وقدسية فما ذكرت لفظه / ام / في القران الا في اعظم المواطن واعظم الزمان واول هذه الايات العاليات والبينات السنيات قوله عز وجل في تسميه الفاتحة التي جمع كل ما في القران فيها سماها الله/ ام الكتاب/ في قوله / وانه لفي أم  الكتاب لدينا لعلي حكيم / والفاتحة اعظم سورة في القران الكريم فسماها الله بام فما اعظم الام اذن ونراه سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز / منه ايات محكمات هن ام الكتاب /  . ان الاية المحكمة التي لا تشابه فيها سماها الله / ام/ واعظم بقعة في العالم/ مكة/ التي فيها البيت الحرام والكعبةالمشرفة سماهة الحق عز وجل/ ام القرى/ في قوله تعالى / ولتنذر ام القرى ومن حولها / ففي كل قدسية منه لفظة الام وما نزلت في سواها والانبياء يخاطب بعضهم بعضا بنسب الامومة فها هو هارون يقول لموسى عليهما السلام / يابن ام ان القوم استعضفوني وكادوا يقتلوني/ انه يسترحم برحم الامومة في اخيه ويستعطف بهذا النسب ايضا من اخيه فيقول الله عز وجل في كتابه المبين / يا بن أم لا تاخذ بلحيتي / واي بديل كان لموسى غير امه عنه ما قال الله تعالى / واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه / وقال تعالى / واصبح فؤاد ام موسى فارغا / هكذا استدل بالقران الكريم لقدسية اعطيت للأم في تاريخ البشرية. وحقا انها لتستحق ذلك في اعظم كتاب وفي اعظم دين واوحى به على لسان اعظم نبي للهدى والايمان محمد /ص/ عند ما قال لرجل يستشيره في الجهاد قال له /ص/ هل لك ام قال نعم قال فالزمها فان الجنة عند رجليها. /وقال /ص/ الجنة تحت اقدام الامهات / بعد النذر اليسير من المنن التي افاض بها الله عز وجل على الام يتضح لنا عظمة هذه الانسانة التي هي عين الحياة ونبعها الغذيز الا يتوجب ان يكون لها الدور الاساسي في التبليغ .
ان الانسان عبر الاف السنين كان ينسب الى امه, والهة البشر التي تمثل الحب والعطاء  والحرية والمودة والخصب كانت باسماء النساء امهات الالهة ومن اسماء الشمس الام فهل هناك اعظم من الشمس للعطاء في الوجود .
الامهات اربعة ولكل واحدة نفس التقدير والمكان عند العقلاء فام انجبتك وام ارضعتك وام ربتك وام علمتك / . وفي الانجاب الطهر وفي الرضاع الصفاء وفي التربية الحسن وفي العلم المجد ورحم الله شاعرا قال:
/ الام مدرسة اذا اعددتها         اعددت شعبا طيب الاعراق /.
 وبقدر ماناخذ من الام حكاية سامية راقية فانها تسوق لنا نهجا تربويا قرآنيا صحيحا اولها رضى الله فطاعة الله ملزمة للام وللولد فاذا كانت صالحة أكرم صلاح الولد ولاتلحق تبعات عصيانه والدته/ولا تضار والدة بولدها / وكل العبادات والطاعات التي يقضيها يشتمل الثواب منها لان السنة النبوية المطهرة  قالت بأجرها واجر من عمل بها, والبر للوالدة  عمل نبوي فقال تعالى على لسان عيسى /ع/ وبرا بوالدتي / وقضى ربك الا تعبد الا اياه وبالوالدين احسانا/.
 لم تكن قدسية الام وعظمتها مستقاة من القران الكريم وحده وانه منذ كان هناك وجود كان الاكبار والاعظام والجود للام اصل كل موجود فما من ديانة على هذه الارض ولا من داعي ديانة او حكيم او ذي عقل في هذه الدنيا لايقدرها .
واعظم ترتيب وتنظيم اجتماعي هو في عالم النحل فتاخذ الام دور السيادة فيه فكل هذه المعالم والاثار والبنيات تدل دلالة كبرى ان الام لفظ ومعنى رمز ومقام تعني الحياة والوحدة والعطاء والارض والشمس والسماء واعظم سمات الصبر تتوزع في الام وهي تحمل ضناها في أحشائها حبا وطوعا تحميه وتخاف عليه وتاويه وتطعمه وتسقيه والحق عز وجل وصى به فقال:/ ووصينا الانسان بوالديه احسانا حملته أمه وهنا على وهن وحمله امه وفصاله في عامين ان اشكر لي ولوالديك والي المصير/  فمن هذا كله استمدت النساء وصية الله ورسوله بالهدى. فما اكثر التوصيات بهذا وقال امير المؤمنين علي عليه السلام /الله الله في النساء فان اخر ما تكلم به نبيكم /ص/ اوصى بالنساء / وقال رسول الله /ص/  استوصوا بالنساء خيرا فما اكرم النساء الا كريم / والنساء كلهن امهات فان لم تكن المراة منجبة فهي مربية وان لم تكن مربية فهي مرضعة وان لم تكن مرضعة فهي معلمة وان لم تكن معلمة فهي راعية مشفقة محسنة متكفلة اذن فكل امرأة في مقام الأمومة بمعنى ما او باخر ما . فاوصى رسول الله /ص/ بكل النساء خير واوجب اكرامهن قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم / احسن الناس ايمانا واكرمهم خلقا الطفهم باهله / وقال امير المؤمنين /ع/ المراة ريحانة وليست بقهرمانة فدارها على كل حال واحسن الصحبة لها يصف عيشك / وهكذا هي المراة في الحب والتقدير والعشرة والاكرام .
وان كنا لانعتبر هذا بشئ من تراثنا لأن الواقع يدعوننا لدور كبير مدروس لاعادة المرأة اليه في مصافي التقدم والرقي في بناء الانسان القرآني الاصيل وهذا ما ينبغي ان تعيه المرأة من شخصيتها وتبني عليه المقتضى في دورها الشرعي التبليغي لا ان تجعلها هذه القيم نرجسية لتذبل وتحرق وتموت وهي حية تعيش في مجتمعات الغفلة والانحراف احيانا حتى غدت سلعة تشرى وتباع في جاهليات هذا الزمن القاسي ليس عليها فقط بل على الرجل ايضا
واذا نظرنا بموضوعية الى واقع العمل التبليغي النسائي نميز حالتين في الاولى ضمن مجتمع هو فرض عليها الجهل بالدين وحرمها من متابعة التدين وهذا ينتج امراة خالية من اسس التبليغ وبالتالي فهي معدومة الالتزام والتبليغ وهذا واقع موجود في جماعات اسلامية تحرم التدين للمراة وتلزمها باخلاق عرفية سريعا ما تتخلى عنها بمجرد استمالة تراها تطورا في هذا الزمن ويساعدها الاهل على ذلك في المجتمعات العلمانية والسياسية وخصوصا في هذه الازمة السورية التي اضطربت فيها القيم فهذا النوع من النساء في مثل هذه الحالة لا مجال امام المراة في الدعوة او التبليغ
اما الحالة الثانية ضمن مجتمع يلتزم بالتدين لكنه يسلب حقوق المراة ويعاملها بقسوة وينظر اليها كمتعة او سلعة متذرعا بالتعاليم الدينية فيتطلب انتقاءها اولا وقابليتها ثانيا وبالتالي يتعذر وجودها الا لقلة منهن ربما يضعن في المجتمع لكثرة العاطلات عن هذا العمل منهن من جهة وقوة المواجهة والفراغ الذي يحيط بهن وبالتالي يحتاج الواقع التبليغي للمراة ثورة حقيقية تمنح لهن الحرية بما يتلائم مع محيطهن ثورة حقيقية تنطلق من الدين الاصيل المبين البعيد عن التعقيد وشدة التكليف والتدريج العملي باعتماد الدرس الحووزي ان امكن وعدم التقيد به ان لم يتوفر واهم لوازم هذا الامر المشاركة الاجتماعية والتواصل الدائب مع الحووزيات وغيرهن وتقديم الحوافز لكليهما وحمايتهن اجتماعيا واسرويا على اسس تفعيل التبليغ وتاهيل المبلغات في ضوء الواقع النسوي بحيث لا يتحول ذلك الى تنظيم نسوي يفرز المرأة عن الرجل كما هو حاصل في بعض التظيمات اليوم كالقبيسيات والطباعيات وغيرهن لتؤول امورهن الى تسييس المهمة التبليغية ويعود لخدمة النظم السياسية وليس لخدمة الدين وخصوصا ان هذه النظم تمتلك مقدرات هائلة تفوق امكانية العاملين في التبليغ انى كانت مقدرتهم تبقى التظيمات السياسية اقوى بكثير ناهيك عن الاغراءات والجاهيات والمحفزات المناصبية اليهن . فعندما نتحدث عن المرأة يتبادر لنا مباشرة مهمة علقت بها عرفا انها ربة منزل وفي هذه المهمة شرف كبير من جهة واذى لها شديد من جهة اخرى ويتوضح ذلك بتاريخ المرأة الغائر في القدم والبعيد عن تقدم البشرية وتطورها حتى صارت المفاهيم ترى المرأة التي تقوم بعمل غير هذا كانها تتشبه بالرجال عند المتخلفين او تنجز معجزة عند المتنورين كالذي يرى طفله يلثغ بالحروف وهذا نظر ضيق للمرأة ولا يعطيها دورها وحريتها وما كانت يوما اشد ارتباطا بالعمل المنزلي الا لرعايتها الطفولة فيه وعدم قبولها عاملة في المجتمع وبالاصل عدم تاهيلها للعمل وخصوصا العمل التبليغي لشدة غيرة ارحامهن عليهن هذه الغيرة النابعة من عدم الثقة بهن اولا ولسخافة المجتمعات ثانيا ولذلك ارى ان تعمل المراة المبلغة بالممكن مع التزامها بالعمل المنزلي وينبغي ان ينطلق عملها التبليغي من معرفتها لنفسها ولدورها بشكل رئيسي وخصوصا ان الاسلام ميزها بكثير منذ الولادة والتربية حتى امتداد حياتها ولنقرأ بعض فضل البنات في ذلك
قال الله تعالى : وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ . يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ  . فالبنات اولا نعمة من نعم الله وثانيا قدر القرآن والحديث البنت كأم وزوجة وابنة واخت ما لم يذكر مثله حتى اتهم الله عز وجل من قبل الكافرين ان البنات له وان الملائكة اناث  قال الله تعالى : فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ. أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ .أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ . وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ .أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ . وعن أبي عبدالله ع قال: قال رسول الله ص: نعم الولد البنات ملطفات مجهزات مؤنسات مباركات مفليات وعن علي بن أبي طالب ع قال: كان رسول الله ص إذا بشر بجارية، قال: ريحانة ورزقها على الله
عن النبي ص أنه قال: رحم الله أبا البنات، البنات مباركات محببات، و البنات مبشرات، وهن الباقيات الصالحات. وعنه ص قال: " من عال ابنتين أو ثلاثا كان معي في الجنة " هؤلاء المبشرون بالجنة الذين وأدوا بناتهم بلا رحمة ماذا جب الإسلام عنهم بعدما حدث مع فاطمة ومع زينب ومع حرائر بيت رسول الله من اتباعهم من النصب والحرمان وفدك وما فدك وعنه ص قال: " من كان له ابنة فالله في عونه ونصرته وبركته ومغفرته ". وعنه ص قال: من عال ثلاث بنات يعطى ثلاث روضات من رياض الجنة، كل روضة أوسع من الدنيا وما فيها. وعنه ص قال: " من كانت له ابنة واحدة، كانت خيرا له من ألف حجة، وألف غزوة، وألف بدنة، وألف ضيافة وعن رسول الله ص أنه قال: نعم الولد البنات المخدرات، من كانت عنده واحدة جعلها الله له سترا من النار، ومن كانت عنده ابنتان أدخله الله بهما الجنة، ومن كن ثلاثا أو مثلهن من الاخوات، وضع عنه الجهاد والصدقة.
عن حديفة بن اليمان، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " خير أولادكم البنات عن رسول الله ص أنه قال: ومن عال واحدة أو اثنتين من البنات، جاء معي يوم القيامة كهاتين " وضم إصبعيه. كان لرجل من أصحابنا جارية، فدخل على أبي عبد الله ع فرآه متسخطا لها، فقال له أبو عبد الله ع أرأيت لو أن الله أوحى إليك أني أختار لك أو تختار لنفسك ما كنت تقول ؟ قال: كنت أقول: يا رب تختار لي، قال فإن الله قد اختار ثم قال: إن الغلام الذي قتله العالم الذي كان مع موسى، في قول الله: (فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكوة وأقرب رحما) قال: فأبدلهما جارية ولدت سبعين نبيا عن النبي ص قال: " من كان له أنثى فلم يبدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها، أدخله الله الجنة عن أبي عبدالله ع قال: كان رسول الله ص أبا بنات. ولو كان هذا الخطاب يبين فضلهن فهو ايضا درسا لمن يتق الله من الرجال وعندما يتم التفاعل مع ذلك بالتعاون بين المرأة والرجل وعدم التواكل تكون مدرسة التبليغ اخذت دورها وفعلت فعلها واعطت مجتمعا حضاريا نورانيا مطهرا
وبعد ما درجناه من بعض جوانب التبليغ ومن بعض حديثه الواسع العريض نكتفي بهذه العجالة التي تسلط الضوء على دائرة التبليغ الدينية والاجتماعية وعلى نوعي التبليغ الرجل والمرأة وعن العوائق والضرورات اللزمة لهذا المدخل الكبير بما يقدمه من مواكبة للزمان والمكان وترابط القديم النقي مع الجديد الغني بما فيه من وسائل وتقنيات تحفظ العهود والمواثيق والرسالة والامامة بخاتم الولاية الحريز الغالي الثمين بالنزاهة والعقة والاستقامة والتقوى والله المستعان ,
الشيخ سلمان آل سليمان
جامع الامام علي بن ابي طالب عليه السلام
حماه التويم


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة