الترغيب والترهيب
قال الله تعالى:/ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولايشرك بعبادة ربه احدا/
ان الترغيب والترهيب هما دعامتان اساسيتان يقوم عليهما بناء الاحاسيس لدى المسلم
فهو أي المسلم دائم الرغبة فيما عند الله تعالى من خير وعون ونعمة ولكنه دائم السعي لاعداد نفسه اعدادا ايمانيا وسلوكيا ولتوفير الاهلية اللازمة للفيوضات الالهية والآلاء الربانية ومن اهم هذه اللوازم ان يخاف الله تعالى في كل لحظة ويتقي غضبه وسخطه وانتقامه ولايامن مكره . وهذا يتحقق بالرجاء و حصول ما يبعث في النفس مشاعر السرور والرضا فالذي يرجو الخير والعون من الله سواء في اعماله الحياتية المحسوسة او في غاياته الاخروية المنتظرة لا بد له من ان يعمل من اجلها ويجد في تحصيلها وان لا يتمن على الله وهو مستلق على ظهره ويخاف من خياله واوهامه و يجب ان يكون حرا شجاعا لان المؤمن من صفاته الشجاعة والمرونة والكرم ولا يخاف مع الله لومة لائم ولم يخش إلا الله اذا كان صادق النية سليم الطوية صافي السريرة يعمل لنفسه ولأرضه ولأهله ولدينه ولامته
فالعالم ليس طوع ارادة احد ولا تتحرك الاسباب وفق وسيلة واحدة فالراكد الخامد المستلق المنغلق مهزوم وقد حذرت الاحاديث النبوية الشريفة من التمادي والإغترار والاعتزاز بغير الله والاماني والخلط بين التمني وهو الرغبة في حصول شيء لم تكتمل اسباب وجوده الطبيعية بعد فهو الحماقة والتغرير بالنفس ومخادعتها وهي رغبة في حصول شيء لم يتوفر شيء من اسبابه وعوامل ولادته من جهة. وبين الرجاء الذي يمثل الحقيقة الصادقة التي تاتي كنتيجة طبيعية بجهد موضوعي .
فقد ورد في الحديث الشريف ان رجلا سال الصادق /ع/فقال /ان قوما من مواليك يلمون المعاصي ويقولون نرجوا فقال كذبوا ليسوا لنا موالي اولئك قوم تدرجت بهم الاماني مدرجا سيئا لا عمل له ومن خاف شيئا هرب منه /
وقال/لا يكون المؤمن مؤمناحتى يكون خائفا راجيا ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا كما يخاف ويرجو/ واشد ما يخاف منه الفرقة والضياع والانقسام واعظم ما يرجى الايمان والوحدة والاخاء والاعتصام ولا ينفع الرجاء بعد فوات الاوان فالرجاء انتظار رحمة الله وعونه بلا نسيان اموره مع العمل وبذل الممكن من الجهد والاخلاص
فحينما وضع الاسلام احكامه وثبت معاييره وقواعده الاخلاقية والسلوكية لتعظيم نشاط الانسان وتوجيه سلوكه وعلاقاته الانسانية المختلفة وحالات تعامله مع الانسان من نظرته اليه كوحدة سلوكية مترابطة سواءا من حيث الدافع والاتجاه الحركي للذات او من حيث الاتجاه الاخلاقي الاجتماعي الذي يسدد اهداف الذات وغاياتها.
لذا فقد نظم الاسلام انماط السلوك الانساني جميعها على اساس الخوف والرجاء والامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالاستقامة لان الخوف والرجاء حالتان نفسيتان تعرضان للانسان قبل قدومه على أي فعل كان ولانه لا بد ان يتصور هذا الفعل لتحصل القناعة الصافية له قبل ان يقدم عليها و يتحرك نحوه وهذا التصرف ينمو بين الخوف المترتب عن سلبيات هذا المشروع والرجاء الناجم عن ايجابيات هذا المشروع فعندما يغلب الرجاء يتحرك الإنسان نحو غرضه و يتحسب السلبيات ليخلص بنهاية الامر بأقل تضحية اذا كان عاقلا متزناً فعندما يجد امرا مهما جدا يجب ان يتانى ويعمل بسكينة وحب ووئام وسلام ودون ان يتاخر عن العمل بالوسائل والفرص الفاضلة المناسبة لأن الوسيلة والغاية في الإسلام فاضلتين .
لذا فقد حرص النهج القرآني التربوي على تنظيم هذين الدافعين وتوجيههما كقوتين اساسيتين للسلوك الاتساني لتحقيق الالتزام والوضوح الفكري والسلوكي والاقرار بالتوازن بين حالتي الخوف والرجاء لئلا يطغى الخوف فتهتز شخصية الانسان وشعوره ويستمر بالقلق والالم والنفور والانقباض فتستحيل حياته الى شقاء واستعباد.
واذا طغى دافع الرجاء يخيم الكسل على الانسان والوهم فيعيش الاماني الكاذبة والانتظار الخادع فيتوانى عن العمل والجد والعطاء .
ويتحقق تاثير ذلك في النفس الانسانية بالضمير والاحساس بالالم فينموالاحساس الطيب ليصحح السلوك وينقي الهدف ويتصور الغاية الكبرى بالايمان والاخوة والالفة والإخلاص بدلا من التقوقع وبراثن الجهل الماضية ويشطب كل احساس بالياس والقنوط لقوله تعالى / قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يعفر الذنوب جميعا /.
جاءت دعوة الاسلام للانسان كي يرجو الخير كله من ربه ويخاف الخوف كله من معصية خالقه بقوله سبحانه وتعالى/ اولئك الذين يبتغون الى ربهم الوسيلة ايهم اقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ان عذاب ربك كان محذورا/
واي وسيلة للمؤمن اقرب من تدينه بالله الواحد وعلم رسول الله محمد المصطفى/ص/ وباب علم الله علي المرتضى /ع/ فأي وسيلة غيرها يبتغيها من يرجو رحمة الله ويخاف عذاب الله لا تؤدي الغرض الأحسن .
حيث يقول عزوجل عن هذه الوسيلة/ قل انما انا بشر مثلكم يوحي الي انما الهكم اله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا/
اذن الرجاء يحتاج للعمل الصالح وعدم الاشراك بالعبادة غير الله سبحانه وتعالى فهذه حال المؤمن الصادق الواعي فهو يطلب الوصول الى الله والى الخير والى الوحدة والى الايمان والى الاخاء والى الكمال بدافع من رجاء الرحمة والخوف من العذاب والاستقامة بالعمل الصالح وعلى هذا النسق جرت السنة وتواردت الاحاديث والروايات .
ومنها قول الصادق عليه السلام والذي جاء وصفا دقيقا لدافع الخوف والرجاء في النفس الانسانية وهو:/ لايكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا ولا يكون خائفا حتى يكون راجيا ولا يكون راجيا حتى يكون عاملا /
ونقرا في قول الامام الباقر /ع/ ما يتطابق مع هذا المعنى وما يدل على دقة التعبير وعمق التشخيص وبصيغة ترسم لنا معادلة النفس والشعور المتوازنة من الخوف والرجاء اذ يقول: /ليس من عبد مؤمن الا وفي قلبه نوران نور خوف ونور رجاء/
وقد جمع الله سبحانه بينهما في وصف من اغنى عليهم فقال/ يدعون ربهم خوفا وطمعا / وقال /يدعوننا رغبا ورهبا /
هكذا ضبط الاسلام الصلاح بينهما ولو وجدنا سببا اعمق لهذاالتوازن النفسي عند الانسان لوجدناه الايمان بذات الله التي لا شريك لها واقامة الصلاة وسائر العبادات قولا وعملا وجسدا وروحا والاصل في انشاء العلاقة بين الانسان والخالق هي السلام والرحمة والوحدة والايمان والاخاء والمودة والصدق والوفاء لان هذه الاشياء هي الحبل الممدود من السماء الى الارض فمن تعلق به نجا ومن تركه ضل وغوى
وهي الحبل الذي قال الله تعالى فيه / واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا / فيتوجه المؤمن الى خالقه الذي يملك الخير كله والغني الذي لا يفتقر والوهاب الذي لا يطلب عوضا لاستغنائه والعفو الغفور والرحيم الودود والسلام والقادر على ما يشاء الفعال لما يريد وهو العلي العظيم وقد ترجم حديث علي الرضا /ع/ هذا المفهوم باحسن ايضاح اذ قال / احسن الظن بالله فان الله تعالى يقول : اناعند ظن عبدي المؤمن بي ان خير فخير وان شر فشر / .
وقال الله تعالى على لسان يعقوب /ع/ / يا بني اذهبوا فتحسسوا يوسف واخيه ولا تياسوا من روح الله انه لا يياس من روح الله الا القوم الكافرون /.
والخائف من عذاب الله يتذكر دائما ان الله سبحانه وتعالى جبارقوي منتقم عادل
/ وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم /

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة