من توحيد امير
المؤمنين الامام علي عليه السلام
بسم الله الرحمن
الرحيم
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي
اِنْحَسَرَتِ اَلْأَوْصَافُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ وَ رَدَعَتْ عَظَمَتُهُ
اَلْعُقُولَ فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إِلَى بُلُوغِ غَايَةِ مَلَكُوتِهِ هُوَ
اَللَّهُ اَلْمَلِكُ اَلْحَقُّ اَلْمُبِينُ أَحَقُّ وَ أَبْيَنُ مِمَّا تَرَى
اَلْعُيُونُ لَمْ تَبْلُغْهُ اَلْعُقُولُ بِتَحْدِيدٍ فَيَكُونَ مُشَبَّهاً وَ
لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ اَلْأَوْهَامُ فَيَكُونَ مُمَثَّلاً خَلَقَ اَلْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ تَمْثِيلٍ وَ
لاَ مَشُورَةِ مُشِيرٍ وَ لاَ مَعُونَةِ مُعِينٍ فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ وَ
أَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ فَأَجَابَ وَ لَمْ يَدْفَعْ وَ اِنْقَادَ وَ لَمْ يُنَازَعْ ولا
يستطاع الهرب من سلطانه إلى غيره فيمتنع من نفعه و ضرّه. والحمد لله الذي من علينا
بمحمد نبيا وهاديا ورسولا فصل ربي على محمد أمينك على وحيك الذي قدم لامرك نفسه
وعرض فيك للمكروه بدنه وصدع في الدعوة إليك جهده وحارب لرضاك أسرته وقطع لإحياء
دينك رحمه فابعد الأقربين لجحودهم وقرب الأبعدين لاستجابتهم فوالى فيك الابعدين
وعادى فيك الاقربين اللهم صل عليه وعلى آله المعصومين قال الله قل إنّي لن يجيرني من اللّه أحد و لن أجد من دونه ملتحدا
« الحمد للّه الذي انحسرت » أي : كلّت و
انقطعت .« الأوصاف عن كنه معرفته » كيف لا تنحسر عن كنه معرفته ، و قد انحسرت عن
كنه كثير من خلقه ؟ « و ردعت » أي : كفّت .« عظمته العقول » عن فهمه .« فلم تجد
مساغا » أي : جوازا ، و الأصل فيه : ساغ الشراب ، إذا سهل مدخله في الحلق .« إلى
بلوغ غاية ملكوته » قال تعالى : قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربّي لنفد البحر قبل
أن تنفد كلمات ربّي و لو جئنا بمثله مددا .و قال الصادق عليه السّلام : فقالوا و
لم لا يدرك تعالى بالعقل ؟ قيل : لأنّه فوق مرتبة العقل ، كما لا يدرك البصر ما هو
فوق مرتبته ، فإنّك لو رأيت حجرا يرتفع في الهواء علمت أنّ راميا رمى به . فليس
هذا العلم من قبل البصر بل من قبل العقل ، لأن العقل هو الّذي يميّزه ، فيعلم أنّ
الحجر لا يذهب علوا من تلقاء نفسه ، أفلا ترى كيف وقف البصر على حدّه فلم يتجاوزه
، فكذلك يقف العقل على حدّه من معرفة الخالق فلا يعدوه ، و لكن يعقله بعقل أقرّ
أنّ فيه نفسا و لم يعاينها و لم يدركها بحاسة من الحواس . و على حسب هذا أيضا نقول
: إنّ العقل يعرف الخالق من جهة توجب عليه الإقرار ، و لا يعرفه بما يوجب له
الاحاطة بصفته إلى أن قال فان قالوا : أو ليس قد نصفه ؟ فنقول : هو العزيز الحكيم
الجواد الكريم . قيل لهم : كلّ هذه صفات إقرار ، و ليست صفات إحاطة فإنّا نعلم
أنّه حكيم ، و لا نعلم بكنه ذلك منه ، و كذلك قدير وجواد ، و سائر صفاته « لا
يستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره فيمتنع من نفعه و ضرّه » فهرب موسى ع من مصر لمّا
خاف أن يقتله فرعون ، فورد ماء مدين و امتنع من أن تناله يد فرعون ، و هرب النبيّ ص من مشركي مكّة لمّا أرادوا
قتله ، فلمّا ورد المدينة أمن من أذاهم ،
وأمّا هو تعالى فالأرض و السماء في سلطانه ، و البرّ و البحر من مملكته ، قل من ذا
الّذي يعصمكم من اللّه إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة قل إنّي لا أملك لكم
ضرّا و لا رشدا.
تعليقات
إرسال تعليق