شهر رجب
بعد ايام هلال رجب المرجب الشهر الاصب الذي تصب البركات فيه صبا
قال الله تعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)
فمن هذه الأشهر المفرد الحرم شهر رجب المرجب هو أول شهور الموسم الروحي للأمة الإسلامية
يعقبه شهر شعبان ثم شهر رمضان المبارك.
هذا الموسم الروحي ينبغي أن يعزز في أنفسنا التطلعات الإيمانية وأن يقوّي إرادتنا للانتصار على شياطين الأنس والجن في شخصياتنا وأن يساعدنا على ضبط انشدادات الدنيا ورغبات المادة في حياتنا.
فروي عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللَّه ص أنه قال: ألا إن رجباً شهر اللَّه الأصم وهو شهر عظيم وعن الإمام جعفر الصادق ع قال: قال رسول اللَّه ص رجب شهر الاستغفار لأمتي فأكثروا فيه الاستغفار فإنه غفور رحيم ويسمى الرجب الأصبّ لأن الرحمة على أمتي تُصب صبّاً فيه فاستكثروا من قول: أستغفر اللَّه وأسأله التوبة
وفي شهر رجب المبارك ينبغي المواظبة على أداء النوافل اليومية وخاصة صلاة الليل كذلك فإن هناك صلوات بكيفيات خاصة يستحب أداؤها في أيام وليالي هذا الشهر الفضيل وهناك أدعية خاصة تذكّر الإنسان بعظمة ربه وبأسمائه الحسنى وتوجهه إلى الحقائق الكونية وإلى مكارم الأخلاق وجميل السلوك والصفات وخصوصا في هذه الأيام العصيبة من التآمر التي يمر بها وطننا وامتنا
 وحينما سئل رسول اللَّه ص عن فضل شهر رجب قال رجب شهر الله أنه مخصوص بالمغفرة فيه تحقن الدماء وفيه تاب الله على أوليائه وفيه أنقذهم من نزاعه الشوى
ثم قال من صامه كله استوجب على الله ثلاثة أشياء: مغفرة لجميع ما سلف من ذنوبه وعصمة فيما يبقى من عمره وأمانا من العطش يوم الفزع الأكبر.
فقام شيخ ضعيف فقال: يا رسول الله إني عاجز عن صيامه كله فقال رسول الله صم أول يوم منه فان الحسنة بعشر أمثالها وأوسط يوم منه وآخر يوم منه فانك تعطى ثواب من صامه كله
ولكن لا تغفلوا عن ليلة أول جمعة منه فانها ليلة تسميها الملائكة: ليلة الرغائب وذلك إنه إذا مضى ثلث الليل لا يبقى ملك في السماوات والارض إلا ويجتمعون في الكعبة وحواليها ويطلع الله عليهم فيقول لهم: يا ملائكتي سلوني ما شئتم فيقولون: يا ربنا حاجتنا إليك أن تغفر لصوام رجب فيقول الله عزوجل: قد فعلت ذلك ثم قال رسول الله ما من أحد يصوم يوم الخميس أول خميس من رجب ثم يصلي ما بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة فاذا فرغ من صلاته صلى علي سبعين مرة يقول: اللهم صل على محمد وعلى آله ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة: سبوح قدوس رب الملائكة والروح ثم يرفع رأسه ويقول: رب اغفر وارحم وتجاوزعما تعلم إنك أنت العلي الاعظم ثم يسجد سجدة ويقول فيها ما قال في الاولى ثم يسأل الله حاجته في سجوده فانها تقضى قال رسول الله ص والذي نفسي بيده لا يصلي عبد أو أمة هذه الصلاة إلا غفر له جميع ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن استوجب النار ثم تصدق كل يوم برغيف على المساكين والذي نفسي بيده إنه إذا تصدّق بهذه الصدقة كل يوم ينال ما وصفت وأكثر وإنه لو اجتمع جميع الخلائق على أن يقدّروا قدر ثوابه ما بلغوا عشر ما يصيب في الجنان من الفضائل والدرجات
وفي اول هذا الشهر الفضيل فقد ولد الإمام العاشر من أئمة أهل البيت وتستوقفنا ولادة هذا الإمام ابي الحسن الثالث علي الهادي ع في المدينة في الثاني من رجب سنة 214 هـ ويكنى أبو الحسن الثالث وأن المشهور بين المحدثين في التعبير عنهم بأبي الحسن ثلاثة وهم: موسى الكاظم وعلي الرضا وعلي الهادي صلوات الله عليهم فإذا ورد حديث عن أبي الحسن وأطلق فهو موسى الكاظم وإذا قيد بالثاني فهو علي الرضا وإذا قيد بالثالث فهو علي الهادي
ومن عجائب حجج الإمام الهادي ع ان المتوكل الحاكم العباسي نذر أن يتصدق بمال كثير إن عافاه الله من علته فلما عوفي سأل العلماء عن حد المال الكثير فاختلفوا ولم يصيبوا المعنى فسأل أبا الحسن عن ذلك فقال يتصدق بثمانين درهما فسئل عن علة ذلك فقال: إن الله قال لنبيه ص لقد نصركم الله في مواطن كثيرة فعددنا مواطن رسول الله فبلغت ثمانين موطنا وسماها الله كثيرة فسر المتوكل بذلك وتصدق بثمانين درهما ومما نقل أن قيصر ملك الروم كتب الى هذا الحاكم كتابا يذكر فيه: إنا وجدنا في الإنجيل أنه من قرأ سورة خالية من سبعة أحرف حرم الله تعالى جسده على النار وهي: الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والفاء فإنا طلبنا هذه السورة في التوراة فلم نجدها وطلبناها في الزبور فلم نجدها فهل تجدونها في كتبكم؟ فجمع العلماء وسألهم في ذلك فلم يجب منهم أحد عن ذلك إلا الإمام الهادي ع فقال: إنها سورة الحمد فإنها خالية من هذه السبعة أحرف والحكمة في ذلك أن الثاء من الثبور والجيم من الجحيم والخاء من الخيبة والزاي من الزقوم والشين من الشقاوة والظاء من الظلمة والفاء من الفرقة فلما وصل إلى قيصر وقرأه فرح بذلك فرحا شديدا وأسلم لوقته ومات على الإسلام
وقال المتوكل لابن السكيت: اسأل ابن الرضا مسألة عوصاء بحضرتي فسأله فقال: لم بعث الله موسى بالعصا وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى وبعث محمدا بالقرآن والسيف؟ فقال أبو الحسن بعث الله موسى بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السحر فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم وأثبت الحجة عليهم وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله في زمان الغالب على أهله الطب فأتاهم من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله فقهرهم وبهرهم وبعث محمدا بالقرآن والسيف في زمان الغالب على أهله السيف والشعر فأتاهم من القرآن الزاهر والسيف القاهر ما بهر به شعرهم وقهر سيفهم وأثبت الحجة عليهم. فقال ابن السكيت: فما الحجة الآن؟ قال: العقل يعرف به الكاذب على الله فيُكذَّب.
ولما صفا أمر الحكم للمتوكل في سامراء أصغى إلى وشاية الأعادي وراح يمكر ويدبر المكيدة بعد المكيدة  الى هذا الإمام فعمل لقتله والتخلص منه فاستقدمه اليه هو وابنه الحسن وظل يعذبه تارة ويسجنه أخرى حتى اوصى بالخلاص منه لمن بعده فسمه ولده الحاكم من بعده المعتز بوصيته سنة 254 هـ وهذا ديدن الطواغيت في كل عصر والسّلام عليك يا أبا الحسن الزكي النقي النّور الثّاقب السّلام عليك يانور الأنوار عليك يا سليل الأخيارالسّلام عليك يا حجّة الرحمن السّلام عليك يا ركن الإيمان السّلام عليك يا مولى المؤمنين ورحمة الله وبركاته .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة